جيوش المنافقين.. وخريطة الطريق لـ’سقوط السيسي’

مع اقتراب الاعلان المرتقب عن ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة، تتزاحم ابواق اعلامية وحركات سياسية وجماعات ضغط شعبي، بل وتتقاتل، تملقا للرجل الذي ترجح التوقعات انه الرئيس المقبل لمصر. جيوش من ‘المتهافتين’ ينتظرون في السلم الخلفي ‘ساعة الصفر’ التي يدخل فيها السيسي السباق الرئاسي رسميا، لشن ‘الهجوم الكبير’ من الشعارات والاغاني والقصائد والندوات والمؤتمرات والبرامج، في حملة اغراقية من النفاق، سعيا الى ‘تقديم السبت’ حسب المثل الشعبي المصري، بانتظار جني الثمار والامتيازات التي يجلبها الاقتراب من رأس السلطة.
ومن البديهي انه من حق اي شخص او حزب او وسيلة اعلامية ان تقرر دعم مرشح دون اخر، ثم شن حملات الدعاية لاقناع الاخرين بجدارته بالمنصب الارفع في البلاد، الا ان هذا ليس ما نتحدث عنه، بل عن حالة لا تتورع عن الترهيب والتخوين، والاغتيال المعنوي للخصوم السياسيين وانصارهم، ورفع بطاقات الانذار لقطاع كبير من المتشككين او المترددين الذين ربما ايدوا الثلاثين من يونيو/حزيران، وحتى الثالث من يوليو/تموز الا انهم يشعرون بقلق مشروع من التدهور في ملف حقوق الانسان، واهمال الحكومة للتعامل مع الهموم الاساسية للمواطنين طوال الاشهر السبعة الماضية، وعلى رأسها ارتفاع الاسعار وتفاقم البطالة وانهيار التعليم والصحة واستمرار التدهور في ملفات العشوائيات والنقل العام والمرور.
وهذا رصد سريع لملامح هذا المشهد المثير للقلق:

اولا على الجبهة الاعلامية:

لا يكاد يمر يوم الا ونقرأ في احدى الصحف عن ‘رصد اجتماع لممثلي ستة اجهزة مخابرات اقليمية ودولية’، بهدف التآمر لاغتيال السيسي او منع ترشحه، او لتقديم الدعم المالي لخصومه ليتمكنوا من هزيمته في الانتخابات.
وهكذا فان اي شخص يعارض ترشح السيسي ‘المفترض انه مجرد مرشح مدني للرئاسة لا يختلف عن غيره من المرشحين’، او يشكك في قدراته الادارية او خبرته السياسية، يصبح ‘عميلا’ بالضرورة لتلك الاجهزة المخابراتية، وبالتالي عدوا للوطن.
وحسب نصيحة احد المذيعين ‘الامنيين’ للمشاهدين، وهو يتحدث عن انتقاد بعض الناشطين للسيسي ‘بلاش حد يلعب بالنار احسن (…). المطلوب من الناس ان يعقلوا وان يكتفوا بتأييد مرشحهم ايا كان، من دون انتقاد المرشح الاخر’ في اشارة للسيسي، حتى لا يعرضوا انفسهم لما لا تحمد عقباه (…).
هذا اذن التعريف الجديد للممارسة ‘الديمقراطية’ في نسختها ‘الفلولية’، لكن السؤال البديهي هو: اذا كان انتقاد المرشح السيسي هو من قبيل اللعب بالنار، فبماذا سيكون اللعب اذا تجرأ احد وانتقده بعد فوزه بالرئاسة؟
ان هذه ‘الخدمة الجليلة’ التي يظن ‘معسكر الفلول’ انه يقدمها للرئيس المقبل، عبر ترهيب خصومه السياسيين، واخراس منتقديه، انما هي اكبر خطرعلى السيسي نفسه، بل قد تكون خريطة الطريق الاسرع لسقوطه، ان هو تغاضى عن هؤلاء وسمح لهم بمواصلة محاولاتهم اليائسة لاعادة عقارب الزمن للوراء.
وللانصاف فان العالمين ببواطن الامور يدركون ان هؤلاء المنافقين انما يعملون بشكل تطوعي، من دون ان ينتظروا تعليمات او توجيهات من احد، وربما يكون المشير السيسي نفسه مستاء من اقحامهم لاسمه في برامجهم، الا ان كونه عسكريا في الخدمة لا يسمح له بالانخراط في سجالات اعلامية او سياسية. ومع هذا فانه يتحمل المسؤولية الاخلاقية والسياسية عن استمرار هؤلاء بالمتاجرة باسمه، وما قد يكون لها من عواقب وخيمة.

ثانيا على الجبهة السياسية:

سارعت عدة شخصيات من المحسوبة على عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الى تشكيل كيان سياسي، من الواضح ان اجندته تقتصر على بند واحد هو تأييد ترشيح السيسي للرئاسة، وقدموا انفسهم بشكل ضمني على انهم ‘رجال السيسي’، اي ‘حزب الرئيس’. وبالطبع نجح الكيان او ‘الجبهة’ في جذب الاف من الطامحين والمشتاقين والمنافقين والمتهافتين والنفعيين. وبعد سكوت من السيسي قرأه البعض على انه نوع من الرضا، اصبح رموز هذه الجبهة مصدرا للاخبارعن المشير تسعى اليهم الفضائيات والصحف، خاصة مع حالة الغموض التي لفت تأخر الاعلان عن ترشحه للرئاسة. وخرج بعض اولئك الرموز اكثر من مرة على الشعب مبشرين بأن السيسي سيعلن ‘خلال ساعات’ عن ترشحه، ومرت اسابيع ولم يحدث ما توقعوه، ما يؤكد انهم ليسوا سوى مجموعة من المتطفلين على الرجل. وحتى بعد ان اعلن السيسي انه ‘لا عودة للوجوه القديمة’، الا انهم مازالوا يصرون على الاستنطاع كـ’مقربين من المشير’ مستغلين علاقاتهم ببعض اعضاء المجلس العسكري السابق.
لقد اخطأ المشير عندما تقاعس عن توصيل رسالة واضحة لهؤلاء بألا يستغلوا اسمه وشعبيته لتحقيق اغراضهم، ما ادى الى شعور عميق بالاحباط، وربما الغضب لدى الشباب بشكل خاص، وهم يرون الفلول يلتفون على الثورة مجددا، ويحاولون أن يعودوا الى الصدارة من شباك 30 يونيو بعد ان طردهم الشعب من باب 25 يناير/كانون الثاني.
اما السؤال الذي لم يسأله احد فهو: كيف تسمح الدولة بقيام جبهة سياسية مناصرة لقائد الجيش وهو مازال في الخدمة؟ وما مدى اتساق هذا مع التعهدات بالحفاظ على المؤسسة العسكرية بعيدا عن المستنقع السياسي؟
وما الذي يعنيه الصمت على هكذا جبهة بالنسبة لقدرة السيسي على التقدير في القضايا السياسية بالنظر الى الضرر الذي لحق بصورته جراء نجاح هؤلاء في الصاق اسمه بكيانهم المثير للجدل؟

ثالثا على جبهة العمل الشعبي:

كانت الجمعية العامة لما يسمى بحركة ‘تمرد’ وما شهدته من مواجهات ومهاترات، مشهدا مأساويا في دلالته على تحول ‘العمل الثوري’ الى وسيلة للاسترزاق والابتزاز، باسم الوطن والشعب، بعد ان انقسمت قياداتها على اساس المصالح الشخصية بين مؤيدين لحمدين صباحي وداعمين للسيسي. فهذه الحركة التي تمكنت من ركوب موجة الغضب الشعبي ضد حكم الاخوان في الثلاثين من يونيو، للمطالبة بانتخابات مبكرة، سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي، عندما ضحت بوحدتها، بل ووجودها نفسه من اجل نصيب من ‘كعكة السلطة’، بالانحياز الى ‘الحصان الرابح’ مقدما، وحتى قبل ان يعلن ترشحه او يقدم برنامجا انتخابيا واضحا ينحاز فيه الى مطالب الشعب او الثورة التي يفترض انهم من اجلها طالبوا بسقوط حكم الاخوان. ولا يعرف احد تحت اي مسمى قانوني يمكن وضع هذه الحركة او هذا التنظيم النفعي المتسلق، خاصة بعد ان قررت الحكومة حل جماعة الاخوان واي حركات اخرى تعمل خارج اطار القانون.
ان استمرار هذه المعايير المزدوجة في التعامل الحكومي مع التنظيمات بناء على موقفها من السلطة او الرئيس المقبل، يمثل عودة كارثية لاساليب عهد الرئيس المخلوع التي كانت من بين الاسباب الرئيسية لسقوطه.
وبالاضافة الى ‘تمرد’، ووسط اجواء من الفوضى شبه الهستيرية، تجد حملات شعبية مثل ‘كمل جميلك’، و’بأمر الشعب’ وغيرهما من التي تزعم جمع ملايين التوقيعات المؤيدة للسيسي، بل ان بعضها يقول انه يحمل تفويضا رسميا من السيسي لجمع التوكيلات اللازمة لترشيحه، ما يفتح الباب امام عمليات النصب والابتزاز باسم الرئيس المقبل.
فيا لها من بداية، ويا لها من جيوش للنفاق وجبهات للاسترزاق تعمل بدأب شديد على الاساءة للرجل الذي لا يحتاج اليها اصلا من اجل مصالحها الضيقة.
واخيرا فان ما يحتاجه المشير السيسي هو ان يدرك ان السكوت على هؤلاء هو اللعب بالنار حقا، وهو الخطوة الاولى للسقوط وليس للنجاح، وان الشعب المصري لن يقبل ان يكتفي بالفرجة في ما يعمل البعض على خلق ديكتاتور جديد.
لقد اصبح الامر يتطلب وقفة حازمة. فاذا كان السيسي مرشحا للرئاسة عليه ان يستقيل فورا وان يبلغ الشعب رسميا بهذا، بدلا من ان تأتي انباء الترشح من موسكو او الكويت، ثم عليه ان يضع النقاط على الحروف بالتبرؤ الكامل من هذه الحركات والجبهات والابواق الفلولية النفعية المتهافتة. وإلا فان عليه ان يتحمل المسؤولية. وقديما قال احدهم ان العقل هو معرفة ما سيكون بما قد كان.

‘ كاتب مصري من أسرة ‘القدس العربي’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ali:

    مقال رائع لاتنقصه الشجاعة ولا الحكمة ولا البلاغة.

  2. يقول عبدالله ناصر:

    اخشى ما اخشاه على مصر المحروسه ان تنزلق فيما انزلقت فيه ثورة سوريا، فهناك محاولة تلهب نارها الصهيونية وتقودها روسيا وامريكا ومن خلفهما ايران والسعوديه والمنفذين طبعا سلطة اﻻنقلاب وعلى راسها السيسي الذي يراد منه ان يقوم بدور بشار وكل المؤشرات والمعطيات تدفع نحو ذلك. لكن السؤال هنا هل الشعب المصري قادر على ان يمنع ذلك؟ ذلك كله في علم الغيب

  3. يقول عبدربه خطاب:

    ما كنت في يوم من الأيام منحازا للسيسي او غيره من قادة الجيش بخصوص رئاسة الدولة ولكن في ظل الظروف الحالية قد اقبل مثل غيري من انصار الانتفاضة العربية الكبرى ترشيح السيسي لقيادة الدولة على امل ان يكون على درجة عالية من الدهاء السياسي تجعله قادرا على اجتثاث كل المنافقين الانتهازيين في جميع مؤسسات الدولة وحينها سيظهر معدن الرجل الحقيقي ويلقى الدعم والمناصرة من الاغلبية الساحقة في وطننا وامتنا. . اما اذا خاب ظننا هذا فيه والتفت جحافل المنافقين حوله وسار على خطى من سبقوه من العسكر فمن المؤكّد ان مصيره الى مزبلة التاريخ. واعتقد انه يعلم تماما ما يدور حوله ولعله يكون منقذا لوطنه وامته في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها..

  4. يقول عصام محمد:

    للاسف ان ما جاء في هدا المقال المهم صحيح تماما. المشير السيسي بشر وهؤالء يريدونه فرعونا الها. ولكن اعتقد انه رجل عاقل وسيتعلم من الذين قبله كما جاء في نهاية المقال.

  5. يقول حسين خميس - المنصورة:

    تحية للاستاذ خالد الشامي وقلمه المميز وحسه الوطني الرفيع المنحاز دائما لمصر وليس لاي شخص او نظام.

  6. يقول فوكاش:

    مقال رائع وبين ثناياه تنظير مستقبلي
    بعد العراق سوريا وبعد سوريا مصر
    والفريق رجل الساعة

إشترك في قائمتنا البريدية