حتى لا نُسحق أو نَسحق باسم الحب

في زمن تكثر فيه الكراهية والحنق.. يصبح الاحتفال بالحب لو مرة كل عام.. واجباً إنسانيا.
لست هنا لأناقش ما هو مبتدع وما هو لا ديني. أدعوك للحظة أن تراجع أيامك الماضية وتتذكر آخر مرة مارست فيها الحب من دون أن تشعر بتأنيب ضمير، أو انك تقوم بالواجب لا أكثر. كم مرة أحببت من دون أن تكون لك مصلحة فيه، أو أن يترتب على الحب ما ينسيك معنى السعادة؟ عد أيضا إلى آخر مرة سمعت فيها بالحب من دون أن تشك لو أن هذا الحب حمل معه كراهة للغير.
أصبح كل منا يحب نفسه أكثر، لكنه بحب نفسه بات يكره الكثيرين. نحب الله لكننا باسم ذلك الحب نوجه الكراهية لمن نراهم أعداءه. نحب رسوله لكننا باسمه نخرج آخرين من دائرة اتباعه. نحب أهلنا وعشيرتنا لدرجة أن يصبحوا هم فقط الذين لا يصيبهم منا ضرر. نتمترس بالتكنولوجيا ونستغلها لحاجاتنا وترفنا لكننا نلعن (الكافر) الذي اخترعها ونتمنى فناءه. وصلت بسكان هذا العالم المشحون أن نرى من يحب الحيوان لكنه قد يقتل من أجله إنساناً، كما حدث مؤخراً في السويد عندما أعدمت حديقة حيوان زرافة مريضة لتصلها رسائل تهديد بقتل العاملين فيها.
إننا نحب تصوراتنا عن الحق لدرجة أن نعد كل شيء ما عدا تلك التصورات باطلا. نحب الجمال لكننا نعد كل شيء لا يناسب ذائقتنا قبحاً. نحب المرأة عندما تلبي شهواتنا، لكننا نكرهها ونهينها عندما تكون أختاً أو زوجة في كنفنا. وهكذا، تتعاظم قيمة الحب واستخداماته في حياتنا، كما يتعاظم الكره والحقد لكل ما لا ينتمي لدائرته الصغيرة التي تحيط بنا، ولم يكن يفترض بذلك أن يحدث.
بات المرء منا عندما يحب، لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل يبدأ بكره أخيه لكرهه ما لا يراه في نفسه. بتنا اليوم نرى الحب كما لو أنه تعبير عن غرورنا وأنانيتنا المشينة، لذا صار الحب آخر ما نراه حتى ونحن ننظر للجمال. نسأل أسئلة لا علاقة لها بما نحب: هل هو في صالحنا؟ هل هناك أجندات تختبئ وراءه؟ هل من أحد يريد استغلالنا باسمه؟ هل هو حرام؟ وتمتد الأسئلة حتى يصبح جمال الحالة الإنسانية التي تترتب على الشعور بالحب آخر شيء نتذوقه.
الحب أيها الإنسان التائه في مغبات الحياة وماديتها، هو الشي الوحيد الذي مهما أوجعك وآذاك وحرمك وخسرت بسببه وإن قتلك حتىôفإنه إذا حضر قلت أهمية كل شيء آخر. الحب ينتصر دائماً في غياب الحنق. الغضب كله عمى، أما الحب فكله إبصار للمنظور وما وراءه. هو بإبهار السحر.. لكن من دون خداع.
إن بين الحب والكراهية، خيط رفيع شديد الوهج من عدم اليقين، عليك ألا تلتفت إليه ما دام لا يفصلك عن السعادة. لا تقل: ولكن، لأن ألد أعداء ‘أحبك’: ‘ولكن’. هناك بون شاسع بين أن يكون الحب سببا للتضحية والعطاء والبذل، أو ذريعة لإشباع عشقنا لأنفسنا. الحب الكامل، هو أن ترى من تحب عندما تنعدم الرؤية، بالقوة والوضوح نفسهما لما ترى من تحب عند ازدحام المشهد.
الحب ليس وحده امرأة تسكن إليها، بل هو أيضاً امرأة تسكنك.. فتحيل الكون كله فراغاً. الحب ليس كل شيء لكنه مفتاح لكل شيء جميله وقبيحه. المشكلة فقط أنه مفتاح لأبواب نجهل ما تخفيه لكنها مشكلة تتواضع أمام يقيننا بما يحمله الكره من أذى لنا ولغيرنا. إن الحب ليس مفتاحا للسعادة ولكنه حافز للبحث عنها، المودة بلا رحمة – ومعنى الرحمة هنا شمولي – لا تصنع حياة سليمة ولا تمنحنا السعادة، بل تسلبنا إياها. لذا فالحب هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يقضي على كل شيء.. الجيد والسيئ منه، الجميل والقبيح فيه، الآمن والخطر في حياتنا به ومن دونه. إنه الضرورة الوحيدة من بين جملة الضرورات، الذي تزيد به الخيارات ولا تنقص. حتى لو كان الحب موتاً، فهو الموت الذي يمكننا اختياره من دون يأس، وهو الموت الوحيد الذي نرى في الطريق إليه كل أشكال الحياة، وهو العيش أملاً بقتل الشقاء.
ما الذي جعل الحب مرتبطا بالإيمان، غير أنه طريق إليه؟ يفترض بالحب أن يسكننا، أما الايمان فنسكِنه في قلوبنا، ولا حاجة للإيمان بالكراهية لأن شيئاً لا يزدهر بها. الحب يملؤنا فيحيل الكون فراغا، والإيمان يملأ الكون فتطهر من نقيضه قلوبنا. وعلينا لنؤمن أن نحب أولاً، نحب الخير لأنفسنا وللغير، لأننا لا نعيش في الأرض وحيدين. الحب، هو أن تكذّب ما تراه وتصدق ما لا تراه، وأن تجد في الفقد كسباً وفي الكسب فقداً، وأن تفرح بالقليل وتعطي الكثير، وأن تضحي وإن ضُحّي بك. دع للحب مهمة الصعود بك إلى أعلى. فلتحرص فقط على أن تمسك المصعد وتضمن الدخول فيه. الشفعاء في الحب ثلاثة: رقة القلب، والذكرى الطيبة، وخوف الفقد بعد التملك، فإن فقدت إحداها فتمسك بما لديك، إلا أن تنعدم الحاجة إلى كل ذلك. هناك طريقتان لتناول الحب والفارق شتان: أن تُحِل ما تكره لمن تحب صدقاً في حبه، أو تحل لنفسك ما هو منك مكروه لأنك تحب نفسك فقط. ليس الحب سعادة، لكنك عندما تحب بصدق وتشقى فإنك تدرك ان الشقاء فيه أهون من سكينة بلا حب. نحن عندما نحب نخاف من كل شيء لا نعرف شعوره. عندما يكون الحب نزهة نحو السعادة فإن صغائر الأمور تبدو كارتعاشة البرد، وكبائرها تذكرنا بحاجتتا لتشغيل المدفأة.
كل ما أحاول قوله هنا، أن الحب ليس إجابة لكل شيء، لكنه طريق للتخلص من ألم كل شيء يؤذينا ولا نستحقه، والسعادة في آخر ذلك الطريق تنتظر أن نســــتحقها، بكل حب، بالحب فقط.

كاتب وإعلامي إماراتي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد عبد الرحمن - السودان:

    البارحة وفي خطبة الجمعة شن الإمام هجوما شديدا علي عيد الحب بدعوي انه بدعة مستجلبة من الخارج لكنه نسي او تناسي أن الميكرفون الذي كان يتحدث من خلاله ايضا هو بدعة اجنبية. وقتها تاملت المصلين و ضمنهم عدد كبير من الشباب وتذكرت نفس اللهجة في الهجوم علي احتفال رأس السنة الميلادية . خرج الكل عندها يبحث حينها يبحث عن مكان للإحتفال.
    و كما قال نزار قباني (الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لأخترعناه ) حتي لو لم يدرك الكثيرون كنهه.

  2. يقول talal.holland:

    اخ محمد عيد الحب شئ لا وجود له. انا اعيش في اوربا. وواكد لك ذلك. إنه مجرد دعاية للمحلات التجارية. المهم ان الاعراب يكرهون شئ اسمه حب.

  3. يقول محمد:

    وفى جمهورية فرستان
    منع رئيس الجمهوريه الاحتفال بهذا ما يسمى عيد الحب وقال
    انها تنشر سوء الخلق بين طلاب المدارس واضاف انها ليست من تقاليد
    شعبنا والخبر منشور فى وسائل الاعلام
    نقول للكاتب اترك التشاؤم نحن والحمد لله بخير و ان شذ افراد من محتمعنا
    يعودون الينا نحن امه تقام فيها الصلوات ويصام رمضان ويوصل الرحم
    وتنكر المنكرات ولدينا بر للوالدين وتدفع الزكاة والصدقات
    والحمد لله على نعمة الاسلام

إشترك في قائمتنا البريدية