كي لا نكون أصناما

حجم الخط
0

حياتنا باتت محض رسومات تكاثرت خطوطها في أدمغتنا، وتشابكت معالمها، وتقاطعت منحنياتها حتى تاه قسم منا عن نهاية الطريق، وانتهى به المآل إلى حيث لا يعلم غدرا وخيانة. أضحت الدنيا فخا كبيرا، تمسك بكلاليبها خفايا نفس وإرادة بحث عن الحقيقة، وقلة من تلمس الصواب واقعا وكثرة من تتوهم إيجاده.
أصبحنا نشبه الأصنام كثيرا في جمودها وامتناع حركتها وانعدام مشاعرها. فالدماء من كل حدب وصوب، وقطرات الدم فقدت قدسيتها حتى أضحت لا شيء يذكر سوى أرقام في إحصائيات ونشرات أخبار. انعدم وزن قطرة الدم، وصارت فراغا غير موجود في وهمها، ورغم زخمها. أجادل نفسي دوما، وأحاول حصر هذا الوهم وجمع شتاته ولملمة شظايا طائرة من حولي ويميني ويساري، واقتناص أي فرصة كانت حتى أمسكها متلبسة في جرمها بأياد ملطخة بدماء بشر من حاضر أعيشه. أنفس قتلت وهدرت أرواحها الطاهرة، وهي دين لا يأبى الزمان إلا سداده، وحق لا يموت وإن مات الإنسان في داخلنا.
أصرف النظر عن كل ما سلف، وأبدأ حملة معلنة صريحة على كل غامض ومرفوض، وأطرق أبوابا جمة في رحلتي نحو الحقيقة الصرفة، وأستهلها بأسئلة وتفكر في مجريات الكون وأحداثه، إلا أنها تصطدم بكثير من الأبواب المغلقة، وتفشل مرارا وتكرارا أول مجابهتها لفرضيات زرعت في عقولنا دون علم منا، ومن غير إدراك ووعي. يتم إنهاء الرحلة من قبل مجتمع أعيش فيه، وتتراشق الاتهامات، وتعلو الأصوات استنكارا وتهكما، وتحيطني نظرات ريبة وخوف، والاقي عيونا متوجسة في كل مقام ومقال. أعود إلى نقطة البداية بعد أن باءت المحاولة بالفشل، وأنهمك في قراءة كتب، وتقليبا لصفحات تاريخ، وسبرا في أغوار النفس البشرية ومكنوناتها وأسرارها. فأجد أن طريق الحق وسيلته التفكر، وعنوانه فطرة بشرية، وشعاره عقل يحب الاقتناع، وجبلته الأسئلة. وأعلم يقينا أن الحضارات لم تتقدم إلا بطرح الأسئلة، ومخاض الألم طلقاته استفسارات غير معهودة، وحاملو لواء التغيير قدموا دوما بوهج غريب استثنائي ليس معتادا. فالله سبحانه يحب شخصا أتاه بقناعة تامة كاملة، وعشق دربه بعدما امتلأت أفكاره بأسئلة وإجابات. ألم تكن ساعة تفكر خير من سنين عبادات وعادات؟! والرسالات السماوية جاءت مدعمة بأدلة وبراهين، لأن رب الكون يعلم مفتاح العقل البشري ويعرف علته! يقول الفرنسي فولتير: ‘احكم على الشخص من أسئلته، لا أجوبته’؛ فالإجابات تأتي من تلك الفرضيات التي توارثناها أبا عن جد، والأسئلة تكون في لحظة يقظة لعقل نحمله فوق أكتافنا ونقدس جهله اعتزازا بالإثم وننطق حرفه استعجالا بعدا عن هنيهة تفكير!
صرنا نحاكي الأصنام الجامدة على الرغم من أننا نرى ونسمع ونتكلم. نقرأ عن دماء أريقت، فلا نحدث ساكنا! ونعتنق إجابات، ولا نعمل العقل تدبرا فيها! تكلمت ألسنتنا ترديدا لروايات وفرضيات، والعقل معطل ثابت دون حراك. كم نحتاج إلى هزة عنيفة لتحفز الذهن على الحركة، والقلب على التأثر، واليد على الجد! كم يلزمنا أن ندرك واقعا غدونا فيه أصناما منتظرة الفأس ليهشمها ويحطم أنانيتها! اذهب إلى بارقة الأمل، وتنفس رحيق الحقيقة، واسأل العقل، و رج القلب، وهز الكيان؛ وذلك . قدرنا أن نكون بشرا، والبشري ميزته التفكر! جذور في الأرض، وعقل في السماء يناطح السحاب ويستنشق نسيم حرية، وينقب نجومها استدلالا لنجم شمالي زينها. فإرادة الله أن تشرق الشمس من الشرق وتغرب من الغرب، وفي أيدينا أن نتفكر بدوران الأرض وتمركز الشمس وطرقنا لأبعاد جديدة ومجهولة لم يقترب منها بشر. فالخطوات الأولى يخالطها تحسس لواقع حديث، وسمتها الشك، وحالها التقدم تارة والتقهقر تارة أخرى! وفي تقدمها حسنة، وفي تراجعها حسنة أيضا إن تعلمنا وأشفينا غليل فضول المعرفة في عقولنا. فالإنسانية مبنية من كتلة مشاعر وفيض أفكار، والتقدم الموزون يكون باتصالنا مع عقل وقلب، والتجاوب مع غريزتنا البشرية الموجودة دوما. لماذا؟! .
حسام خطاب الأردن

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية