الدولة بين فكي السيد والشيخ

حجم الخط
0

في اليمن فقط وعبـر فترات تاريخه الحديث والمعاصر يحتـدم الصراع بين القـوى التقليدية الموالية والممولة إقليميا وخارجيا لتقـود حربا بالوكالة على حساب وجود الدولة المنضوية في فلك الحياد تارة وسياسية المتفرج تارة أخرى، فمنذ قيام النظام الجمهـوري على انقـاض القـوى الملكية القبلية منها والمذهبية.
وفي حين إلتقت هذه القوى على مساحة واحدة وحملت البندقية ضد القوى التقدمية ومشـروعها المدني الجمهوري في حرب السبعين يوما وحصار العاصمة صنعاء التي كادت أن تسقطها لولا صمود وإستبسـال قوى التحرر والمشروع الحضـاري من أبناء اليمن النجباء أمام المشروع الرجعي المضاد وعمقه الإستراتيجي المعادي القابع خلف الحدود الشمالية للوطن ممثلا بالجارة الشمالية الكبـرى. وجدت هذه القوى نفسها الأمارة بالعودة إلى الخلف حيث أنه لا مجال للعب بالنار والمساومة على التخلف كعرف قبلي وعادة إمامية وأن التغييـر أصبح أمرا واقعا خصوصا وإنه يمتلك الإرادة الشعبية الجماهيـرية وقيادة وطنية وسمت كعنوان للتحدي وبديل وطني للظام السيـد والشيـخ بطلائع ‘الضباط الأحـرار’.
هنا أيقنت القـوى الرجعية ومعها الشقيقة الشماليـة أنه لا بد من الإعتراف بالحقيقة وأمرها الواقـع مع عدم التسليم بهما كحالة دائمة ونظـام فراحت كعادتها إلى المكر والخديعة وتحولت لأمر في نفسها ومرحلة تتوكأ عليها لمآرب اخرى إلى قوى تدعي النضال والثورة، ومع الأسف وجدت لنفسها مكانا بل من المؤسف أنها تصدرت إلى حدٍ ما مراكــز قيادية في النظـام الجمهوري ولم تتـوان لحظة في الإنقضاض على رموز الثـورة الحقيقيين وتنفيذ عمليات الإغتيـال والإخفاء القسري والتسريح الوظيفـي والنفـي السياسي لكل من يعارض سياستها حتى تمكنت عبثا من السيطرة على كل مفاصل الدولة المدنية والأمنية والعسكرية وهنا وبدعم وتآمر إقليمي تمكنت هذه القوى التقليدية من حكم اليمن بالنظام الجمهوري شكلا والملكي وظل القبيلة مضمونـا وبذا أفرغت الدولة من وجودها السياسي وكيانها القانوني والسيادي حتى كانت حركة 13 يونيو التصحيحية 1974م والتي جاءت بذات المشروع التحرري الوطني وعادت القوى التقليدية إلى جحورها مجبرة إلا أن هذه القوى المدمنة على الصراع والمروضة على الخيانة والتآمر والمجبولة على إمتلاك السلطة وإلـزام الشعب اليمني الإعتراف بأحقيتهـا في الحكم والجهل والتخلف معا ما فتئ شخوصها أن نفـذوا مؤامراتهم بتوجيه وتخطيط ورعاية من أسيادهم أصحاب القصور الملكية وعاد السيد بعمامة جمهورية والشيخ بـ’عسيب’ وطني وعلى هذا النمط السياسي ظل اليمن يحكم حيث تجسدت الصورة بقــوة على مدى الـ 33 سنة الماضية أفرغت كل مؤسسات الدولة من الكوادر والعقول القادرة على ترسيخ الثقافة المدنية وبناء الدولة الحديثة على أسس مجتمعية وقانونية يؤمن بها الجميع وكرست توظيف المناطقية والحزبية فكانت الدولة عبارة عن شركة تديرها القبيلـة ممثلة بكلا من مرجعية السيد وعسكرية الشيخ ولأن المصالح الخاصة هي وليس الوطن هو القاسم المشترك لهما التقت قوى الصراع في حرب 94م تحت شعار ‘الغنمية’ وتقويض شكل الدولة وفعلها المدني في المحافظات الجنوبية وهما معا أيضا من أضعف المؤسستين الأمنية العسكرية بتغذيتهما بالفيروسات والسرطانات المذهبية والقبلية والحزبية الموالية لهما في صراعمها الحالي يدعون الدفاع عن الحق الإلهي ويوزعون صكوك الغفران ومفاتيـح الجنة والحقيقة لمن يعيهـا أن الحروب الماضية بين قوى الصراع الحالي كانت تدار وتمول بأموال الشعب ودماء إبنـائه في مناطق التماس الميداني بينما السيد والشيخ يحكمان في صنعـاء ويلتقيـان على مائدة الزعيم وفي مجلس مقيلـه الرئاسـي لتقييم المرحلة التالية من صراعيهمـا كما انهما التقيـا صوتا في ساحة الجامعة في ثــورة شبابية ضد طرف الصراع الثالث ومؤسس ثقافته التدميرية للوطن وافلحا بدعم إقليمي ودولي في إسقاطه كفرد غير مأسوف عليه وعلى طاولة الإستحقاقات المادية اليومية في ‘موفمبيــك’ التقت هذه القوى للتمحور صياحا ونبـاحا وأخيرا بصما على الأوراق بينما كانتـ تغذي الصراع في الميدان وتستورد أدوات الموت وتصدره للشعب جثامين معلبـة بالأعـلام ومغطاة بألوان بالمكر والخديعة والتآمر والعبث بحرية وأمن المواطن وتقويض السلم المجتمعي والسيـادة الوطنية وها هي ذات القوى تلتقي اليوم كاشفة عــورة الحكومة التوافقية الممثلة بهما دون الشعب كي تبرهـن أن لا دولة بدون سطلة مرجعية السيد ودسمال الشيخهي اليوم نفسها قوى الصراع تلتقـي في حرب تصفيات حسابات خاســرة يدفع ثمنهـا أبناء الشعب على حساب حريتهم وأمنهم والوطن على حساب سيادته ووحدته وكل من طـرفي الصراع يستخدم أموال الدولة وأسلحة المؤسسة الأمنية والعسكرية بل وأفرادهـا المجبرون على تنفيذ أوامر القــادة المواليـن لهذا الطرف أو ذاك وهنا يتـأكد لكل أبنـاء الوطن الشـرفاء أن لا وجود لما يسمـى بالدولة الوطنية ذات السيادة على الأرض والقرار السياسي بل هنـاك اشخاص يحملون صفات رسمية شكلية مهمتهم إن تطلب الأمر تكليف آخرين للقيـام بـ ‘وسـاطة’ لحل النزاع وتهدئة الصراع بين القـوى التقليدية المسيطرة على كل مفاصل الدولة والمتحكمة بموارد وثروات الشعب لإدارة صراعها المزمن وتصدير نتـائجه السلبية إلى كل قــرى ومحافظات الوطن لكي تعم الفوضى على الجميع وينعــم الكل بالتخلف والدمار وعدم الإستقـرار. وهنا يستوجب القول أن ‘ الدولة بين فكي السيـد والشيخ ‘ …نعـــم !

علي السورقي
شيفيلد – المملكة المتحدة
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية