دولة عصابات

حجم الخط
0

‘أخيرا تحقق وقف نار في سوريا. لا، ليس بين النظام والجيش السوري الحر ولا بين الجيش السوري الحر ومنظمة القاعدة. هذا وقف للنار بين منظمة ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ التي يقودها ابو بكر البغدادي وبين ‘صقور الشام’ التي يقودها ابو عيسى الشيخ. وهاكم التعقيد: الشيخ يقف على رأس مجلس شورى ‘الجبهة الاسلامية’ التي هي اتحاد لمنظمات دينية تعمل احيانا بالتنسيق مع الجيش السوري الحر واحيانا اخرى تقرر لنفسها القواعد حسب الجبهة الخاصة التي تعمل فيها. والمفارقة هي ان الاتفاق بين ‘صقور الشام’ و بين ‘الدولة الاسلامية’ لا يلزم الجبهة الاسلامية. هذا اتفاق محلي يسمح لصقور الشام بالتحرر من الحصار الذي فرضه عليهم مقاتلو الدولة الاسلامية. وهذا ايضا شيء ما.
وهاكم تعقيد آخر. ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ تعتبر حتى الان جزء من القاعدة. وظاهرا كانت تفترض ان تكون تابعة لنائب بن لادن، ايمن الظواهري، ولكن الظواهري اعلن هذا الاسبوع بانه لا توجد أي صلة لدولة الاسلام بالقاعدة وان ‘جبهة النصرة’ فقط تعتبر جزء من المنظمة. والظواهري غاضب على قائد الدولة الاسلامية لانه لم يطع تعليماته بالعمل في العراق فقط والا يمس برجال جبهة النصرة في سوريا. كما ان مساعي الوسيط السعودي عبدالله المحيسني للمصالحة بين المنظمتين لم تجدي نفعا. ولكن قائد الدولة الاسلامية لا يهمه على أي حال ما يقوله عنه الظواهري لانه يقرر بشكل مستقل أين يركز جهوده، وعمليا يعمل في العراق وفي سوريا على حد سواء.
وهكذا فقد اصبحت سوريا ، ميليشيات ومنظمات، كل واحدة منها تدير بشكل مستقل او على نحو مشترك قطعة ارض، بالتوازي مع حربها ضد النظام تفتح جبهات محلية الواحدة ضد الاخرى. والنتيجة هي ان هذه السنة كان قسما هاما من الضحايا بنار من جانبين او من جوانب متعددة بين المنظمات والميليشيات. حيال هذا الواقع، من الصعب عدم التناول بشك للجهود الدولية لاحداث هدنة على الاقل بين الجيش السوري وبين المنظمات او الافتراض بان مؤتمرا آخر وبعده مؤتمر آخر وغيره سيطهر سوريا من سيطرة العصابات. من هنا فانه لا يمكن لاي طرف، لا الجيش السوري الحر ولا النظام السوري ان يضمن الا تصبح سوريا في المستقبل ايضا دولة ميليشيات.
السيناريو الذي تتطلع اليه الدول الغربية وروسيا هو التعاون بين الجيش السوري والجيش السوري الحر. غير أن مثل هذا التعاون سيستدعي اسقاط الاسد اولا او اخضاع جيش الثوار لقيادة عسكرية يقف الاسد على رأسها. في هذه المرحلة يعد الخياران مثابة هذيان ولا توجد في هذه اللحظة أي قوة، لا محلية ولا دولية منها يمكنها ان تخرج الى حيز التنفيذ أي من هذين السيناريوهين. اقل كلفة اطعام اللاجئين والتبرع للدول التي تستضيفهم من الغرق في معركة عسكرية لا يمكنها أن تضمن السيطرة على الميليشيات. بذات القدر، من الاسهل، من ناحية استراتيجية النظر الى الازمة في سوريا كحرب اهلية اخرى لا تتعلق بالعالم من فتح جبهة دولية عسكرية. في هذا الواقع لا يوجد أي معنى للقول، مثلما فعلت هذا الاسبوع الاستخبارات الامريكية ان الاسد تعزز من صفقة السلاح الكيميائي او التنبؤ بان الاسد سينجو من المعركة. فهذا القول لم يعد ذا صلة. فقد تجاوزت سوريا ميزان الربح والخسارة. وهي ‘تدار في ميدان معركة خرج عن السيطرة حيث أنه من جهة القوى العظمى ومن جهة اخرى المنظمات والعصابات التي يعمل بعضها بشكل مستقل وبعضها الاخر برعاية ذات القوى العظمى. وهي في هذه اللحظة ليست اكثر من كرة من الخرق البالية التي تنتظر واحدة من القوى العظمى أن تتنازل.

هآرتس 7/2/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية