تونس: هل القضقاضي هو من قتل بلعيد حقا؟

حجم الخط
6

أحيت تونس أمس الذكرى السنوية الأولى لمقتل المعارض التونسي شكري بلعيد باعلان الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي يوم السادس من شباط/فبراير من كل سنة يوماً وطنياً لمناهضة العنف السياسي، فيما أحيا عدد من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية في ‘ساحة الشهيد’ حيث وقع اغتيال بلعيد.
سبق الذكرى بيومين فقط إعلان الحكومة التونسية عن مقتل المتهم الأول باغتياله، كمال القضقاضي، في عملية أمنيّة قتل فيها سبعة مسلّحين، الأمر الذي اعتبره وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو ‘هديّة للشعب التونسي’ ولعائلة السياسي الراحل.
وفي يوم الذكرى نفسه قدمت ‘هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد’ طلباً الى قاضي التحقيق في قضية الاغتيال بطلب لمنع سفر عدد من المسؤولين والقيادات الأمنية، بينها وزير الداخلية الحالي، كما أعلنت اعتزامها الطلب من الأمم المتحدة تعيين مقرر خاص للتحقيق في الجريمة على غرار قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
بدلاً من أن يحلّ مقتل القضقاضي لغز قضيّة اغتيال بلعيد فقد صبّ الزيت على نار مشتعلة وأضاف الى اللغز الأول ألغازاً جديدة، فالجهات الأمنية التونسية كانت قادرة بالتأكيد على القبض على المتّهم وتقديمه الى محاكمة عادلة تكشف ملابسات الاغتيال نفسه، لكنها لم تفعل.
وبلجوئها الى قتل المتهم، منعت الجهات الأمنية التونسية امكانية التحقيق في ارتباطه بدوائر سياسية أو أمنية داخلية او خارجية، الأمر الذي كان سيزيل شكوكاً كبيرة تحيط بكل قضية ‘الإرهاب’ في تونس، وجعل العملية ‘المهداة’ للشعب التونسي ولعائلة الفقيد هديّة مسمومة ومثيرة للجدل.
تتعامل وزارة الداخلية التونسية الناشئة بعد الثورة مع قضية ‘الإرهاب’ بالأسلوب المعتاد لوزارات الداخلية العربية باختزالها القضايا السياسية إلى قضايا أمنيّة يتمّ التعاطي معها بالقتل والعنف والقمع، وهي كمثيلاتها العربيّات تتباهى بـ’انجازاتها’ مستخفة بعقول البشر وحقوقهم وضمائرهم.
لكن الأعجب من ذلك هو موقف بعض الجهات التونسية المعارضة للحكومة، التي تحمل قميص دم شكري بلعيد راية للأيديولوجيا التي تحتقر ثقافة الشعب وتعمل على تهشيم خصومها الأيديولوجيين بدعوى مكافحة الأصولية و’الظلامية’، ولو أدى ذلك الى تهشيم انجازات الثورة التونسية نفسها.
يتشارك الطرفان السياسيان، الجهات الأمنية التونسية والأحزاب ‘الأيديولوجية’، إسلاميّة او علمانية، كرهاً وجودياً واستخفافاً بالبشر التونسيين العاديين، وهو ما يفسّر كيف يصبح قتل شخص من دون محاكمة عادلة ‘هديّة’ للشعب!
القضقاضي الذي اختصرت وزارة الداخلية التونسية مشكلة الإرهاب بشخصه كان، بالمناسبة، بائعاً متجولاً على عربة (مثله مثل البوعزيزي)، وفي مقابلة مع والده، الطيب القضقاضي، بتاريخ 5 شباط/فبراير 2014 نشرها موقع Tn-Medias التونسي استنكر الوالد العجوز اتهام ابنه بالجريمة وسرد قصة حياته، وكشف بعض نقاطها المهمة: ابتعاث القضقاضي الى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، وأن له ابنة من زوجة أمريكية، وإعادته الى تونس بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر في نيويورك، وكونه بطلاً رياضياً، وأنه التقاه قبل 13 يوماً من وفاته.
بتاريخ 18 آذار/مارس 2013 نشر الموقع الالكتروني لصحيفة ‘الجريدة’ التونسية خبراً عن اعتقال كمال القضقاضي على يد جهاز المخابرات العسكرية الجزائرية وتحدّث الخبر آنذاك عن ‘اعترافات’ للقضقاضي مسجلة على شريط فيديو تم تسليمه لقاضي التحقيق التونسي آنذاك.
الأغلب أن هذا الخبر، الضعيف السند جداً، كان مسرّباً لغرض ما قد يكون تثبيت إسم بعينه على تهمة بعينها، هو القضقاضي في هذه الحالة، أو للإشارة الى تعاون أجهزة الأمن في الجزائر وتونس، او التلميح الى دور ما للجزائر في مكافحة ‘الإرهاب’… أو توظيفه؟ وهو أمر أشار اليه الخبير الأمني التونسي يسري الدالي في تصريح لوكالة أنباء قال فيه إن ‘المحرك الوحيد للارهابيين ولعملياتهم في تونس هي جهات استخباراتية’ هدفها ‘افشال الثورة التونسية’.
الأكيد أن جهات استخباراتية تعمل على ‘إفشال الثورة التونسية’ لكنّ الفشل الحقيقيّ يصبح ناجزاً عندما تهان حقوق البشر أحياء وأمواتاً ويتحوّلون الى سلعة في بازار الصراع على السلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسین - الیمن:

    هذا الأمر ليس جديدا .. في اليمن مثلا .. قامت طائرة أمريكية بقتل أبو علي الحارثي في منطقة مأرب بتهمة الارهاب و التصدي للحكومة .. وكل أبناء مأرب يشهدون له بالدين و الأخلاق و المعاملة الحسنة . ولكنه كان يحرض على الجهاد .
    وعندما أرادت الحكومة استدعائه . و رفض طلبها كأي مواطن يحافظ على كرامته و عزتة . قامت الحكومة بدس أحد الجواسيس ليتعقبه و تم قتله بطائرة أمريكية . والقصة معروفة لأهل وسكان منطقة مأرب .
    —-
    هذا الكلام ينطبق تماما مع التعامل الفاشل للحكومة في في حربها الأولى مع حسين بدر الدين الحوثي .. فعندما استعصى عليهم الأمساك به . قامت طائرة أمريكية بقصفه ولكنه ظل ينزف ولم يمت حينها – و عند قصفه استطاع أول شخص يدعي جواس من الوصول إليه و قتله . والقصة معروفة عن القلة القليلة من عامة الشعب للتستر على الحركة الحوثية القادمة .
    __
    الفرق بين الاثنين أن الأول لم يتلق دعما من الحكومة بينما الثاني كان مدعوما فالأول : شارك في أفغانستان وأهل مأرب يعرفونه و يعرفون قبيلته و أهله و صفاء قلبه وأخلاقه ، ولكن تحركاته و تحريضه للجهاد هو ما أقلق الحكومتين اليمنية والسعودية ، و الثاني معروف بتدريسه للمذهب الاثنى عشري و تعصبه و تلقيه دعما كبيرا من علي عبدالله صالح و من البرلمان اليمني كونه عضوا هناك . و عندما أتت كتيبة عسكرية الى منطقته لاحضاره الى قسم الشرطة بتهمه بلاغ من أحد أبناء منطقته ، قام بقتل جميع أفراد الشرطة و قتل أفراد برتبة نقيب و لواء في الشرطة و تعنته هو ما أثار حفيظة الحكومة و بدأت على إثر هذه القصة عودة بعض الطلاب من ايران والذين ذهبوا هناك للدراسة و بدأت حروب الجيش اليمني مع حركة الحوثي .

  2. يقول سامح // الامارات:

    شكرا لقدسنا العزيزة ع المقال الجميل …الذي يكشف عن معلومات جديدة
    * أقرأها لأول مرة …وخاصة فيما يتعلق بشخصية ( القضقاضي ) الذي
    قتلته ( الأجهزة الأمنية ) التونسية …وبالتالي مات ( سره ) معاه …وقد يكون
    هذا هو المطلوب ومربط الفرس …بالضبط …؟؟؟!!!
    * في عالمنا العربي : تعودنا أنّ قضايا ( الإرهاب ) ومحاربة ( السلطة )
    خط أحمر …وكل من تُسوّل له نفسه …يتم قطع رأسه ودفنه ولا يحق لأحد
    الإحتجاج أو لوم الحكومة …؟؟؟!!!
    * بل يجب عمل العكس : مدح وشكر الحكومة أو السلطة والأجهزة الأمنية
    لأنها نظفت المجتمع من ( الإرهابيين ) والمجرمين …وعلى الجميع :
    التهليل والتصفيق …وأماّ المحاكمات وطق الحكي …فهذا ف ( سويسرا )
    عندنا …لأ …؟؟؟!!!
    * برافو …حكومة تونس …برافو الإجهزة الأمنية التي خلصت المجتمع
    من الإرهابيين والمجرمين …ونظفته من هذه الحشرات والجراثيم الخطيرة .
    شكرا .

  3. يقول حسين المغربي:

    الى الاخ سامح من العار نعت الناس وتشبيههم بالحشرات لمجرد الاختلاف معهم في الراي ,ثانيا لايمكننا الثقة في الروايات الرسمية لانها تنطلق من اديولوجية معينة تعبر على مصلحة معينة في الزمان والمكان اما القضقاضي فهو ضحية ككل ممن اتهموا بالارهاب يسال عليه النظام الذي اوصل الملايين من المسلمين الى التطرف باساليبه المتطرف في التعامل بتغليب الجانب الامني على الجوانب الاقتصادية والتربوية والتوعوية

  4. يقول سامح // الامارات:

    للأخ ( حسن المغربي ) .
    * يا طيب …للأسف لم تصل للمغزى …من تعليقي …!!!
    * إقرأه بتأني …كان قصدي أنّ حكومة تونس …تريد التطبيل والتصفيق
    ولا تريد كشف الحقيقة كما هي …للرأي العام .
    شكرا .

  5. يقول MOHAMED:

    the saudi regime must be responsible for these killings of leftists.

  6. يقول مراقب:

    رأيي أن تونس خطت خطوة مهمة نحو الديمقراطية و الآن المطلوب من الشعب التونسي بأكمله التوحيد و مد يد العون لهذه الحكومة لنعمل في أحسن ظروف لاخراج البلاد من أزماتها ومن استشهد خلال هذه الثورة المجيدة فجزاءه عند الله من البوعزيزي الى يومنا هذا.

إشترك في قائمتنا البريدية