مصر: انتخابات في ظل العنف

حجم الخط
0

‘لا يوجد احصاء رسمي لعدد المصابين في مصر منذ اسقاط نظام الاخوان المسلمين في اواخر حزيران 2013. ووفقا لحسابات غير رسمية، فقد قتل في الاشهر السبعة الاخيرة ما لا يقل عن 1.500 شخص. هذا عدد غير مسبوق في مصر في العقود الاخيرة وحتى اندلاع الربيع العربي. المصدر الاساس للمصابين مزدوج: القسم الاكبر منهم اصيب في اثناء صدامات العنف بنار قوات الامن ضد المتظاهرين من مؤيدي الاخوان وبعضهم الاخر اصيب في عمليات ارهابية نفذتها منظمات اسلامية مختلفة ضد قوات الامن.
نقطة الانطلاق للتدهور الحالي في مصر هي عزل الاخوان المسلمين عن الحكم من قبل الجيش، في ظل التعاون مع المعسكر الليبرالي وبدعم ملايين المصريين. فقد مل هؤلاء الفوضى الداخلية التي سادت في مصر في مجالات الاقتصاد، القانون والنظام والامن الشخصي، وخشوا من أن يستغل الاخوان حكمهم لادخال مضامين اسلامية الى مؤسسات الدولة ونمط الحياة فيها. وقد دفع الانقلاب الاخوان تماما الى خارج ساحة الحكم وترك الجيش كعنصر سائد في الساحة السياسية. قسم هام من المعسكر الليبرالي يواصل تأييد حكم الجيش رغم الانتقاد الذي يوجه اليه عقب تدخله في السياسة واستخدامه القوة ضد الاخوان. احساس قسم كبير من الجمهور هو انه في الظروف التي نشأت في مصر في السنوات الثلاثة الاخيرة مطلوب يد قوية وان البديل لذلك حكم الاخوان اسوأ بكثير. ينبغي القول انه بعد اسقاط حكم الاخوان، اديرت معهم اتصالات بهدف اشراكهم في الحكم، ولكن كلاعب ثانوي. غير ان المحاولة فشلت في مهدها لان الاخوان رفضوا التسليم بعزلهم عن الحكم بعد ان حظوا بثقة أغلبية الشعب في انتخابات ديمقراطية للبرلمان وللرئاسة. وكان طلبهم بالتالي اعادة الرئيس المعزول محمد مرسي الى منصبه واعادة الدستور الذي اعد في فترة حكمهم الى نصاب.
وعكست مسألة الدستور ميل الحكم الجديد. فوفقا لخريطة الطريق التي نشرتها قوات الجيش فور عزل مرسي، أعدت لجنة من خمسين شخصية برئاسة عمرو موسى وزير الخارجية والامين العام للجامعة العربية سابقا الدستور الجديد. وشارك في اللجنة مندوبو التيارات المختلفة، بمن فيهم خمسة مندوبين عن جهات اسلامية بينهم مندوب حزب النور السلفي. اما الاخوان فقد رفضوا المشاركة في اللجنة.
‘ ومقابل الدستور الذي اعد في 2012، في عهد حكم الاخوان، فان معظم مواد الدستور الجديد جديدة أو معدلة. وتتعلق التغييرات الاساس بمكانة الاسلام في الدولة، مكانة الجيش والتشديد على حرية الفرد وحقوقه. ومع ان الاسلام تحدد كدين الدولة مثلما كان في عهد مبارك ايضا وأن مبادىء الشريعة ستكون مصدر التشريع الاساس، الا انه تقرر بان مبادىء الشريعة تقررها محكمة الدستور العليا. واضعف الدستور مكانة المؤسسات الاسلامية وعززت قوة المؤسسات غير المتماثلة مع الاسلام السياسي. وقيد الدستور صلاحيات الرئيس وزاد صلاحيات وزير الدفاع والمؤسسة العسكرية بما في ذلك صلاحيات محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية مما أثار انتقادا شديدا في اوساط الكثيرين بمن فيهم اولئك الذين ايدوا عزل مرسي. كما أن الدستور يخفف عن رجال حكم مبارك في الانخراط في الحياة السياسية. وفي الاستفتاء الشعبي الذي اجري في كانون الثاني 2014، أيد نحو 98 من المقترعين اقرار الدستور، وذلك ضمن امور اخرى لان الاخوان قاطعوا الاستفتاء.
مع اقرار الدستور يعتزم الحكم مواصلة تطبيق خريطة الطريق واجراء الانتخابات للرئاسة قريبا ومن ثم الانتخابات للبرلمان. وكما هو متوقع، فان وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي استقال من منصبه وطرح ترشيحه للرئاسة. وشكلت الاغلبية الهائلة التي اقر فيها الدستور بالنسبة له اختبارا لفرص نجاحه، وهذا كاد يكون مضمونا مسبقا، ولا سيما اذا ما قاطع الاخوان الانتخابات ايضا. ويمكن لتقديم موعد الانتخابات للرئاسة قبل الانتخابات للبرلمان ان يساعد الرئيس الجديد على التأثير على نتائج الانتخابات للبرلمان. وسيكون في صالح السيسي اعتراف قسم كبير من الجمهور المصري بانه في الوضع الحالي ولانعدام البديل هناك حاجة الى زعيم قوي ومصداق يمكنه أن يواجه المشاكل الصعبة التي تواجهها الدولة، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي والمواجهة مع الاخوان حتى وان كان في ذلك عودة غير مرغوب فيها الى نموذج الحكم الذي يقود فيه رجل من الجيش الدولة. ‘ لقد أدى رفض الاخوان الانخراط في الحكم الجديد الى مواجهة مباشرة بينهم وبين الجيش وقوات الامن. فمنذ صيف 2013 شدد الطرفان خطواتهما: فقد بدأ الاخوان ومؤيدوهم في مظاهرات عنف في مدن مختلفة ضد حكم الجيش، فيما تمارس قوات الامن القوة لقمع المظاهرات. وفضلا عن ذلك فقد اعتقل الجيش معظم زعماء الاخوان ونشطائهم البارزين، واخرج المنظمة عن القانون وأعلن عنها كمنظمة ارهابية.’ هذه الخطوات، على خلفية احتدام العمليات الارهابية من قبل الاخوان ومنظمات اسلامية اخرى، وانتشارها من سيناء الى داخل المدن المصرية، رفعت الطرفين الى مسار من المواجهة يتواجدان فيه الان. ففي تنفيذ العمليات يشارك اليوم ليس فقط الاخوان بل وايضا مئات عديدة من البدو الذين يعملون اساسا في سيناء، ميليشيات جهادية سلفية، مقاتلون اسلاميون جاءوا من العراق واليمن، مجموعات ترتبط بالقاعدة. وتشك قيادة الجيش بان رجال حماس ايضا يشاركون في العمليات. وتستعين محافل الارهاب هذه، ضمن امور اخرى بالسلاح المهرب من مخازن السلاح الكبرى التي بناها القذافي في ليبيا.
الى اين ستؤدي هذه المواجهة بمصر؟ في هذه المرحلة من الصعب أن نرى نهاية للتدهور، لانه لا يوجد اليوم اي بداية لحوار حقيقي بين الطرفين على وقف العنف وتوافق على تسوية سياسية. فالاخوان يترددون بين الانخراط في الحكم، الذي يعني في نظرهم التخلي عن مطلب عادل في العودة الى مواقع الحكم التي اكتسبوها عن حق، وبين الصراع الشامل الذي يتهمون فيه في نظر أغلبية الشعب بتدهور مصر الى الفوضى. في هذه الاثناء تجدهم يختارون طريقا وسط لصراع محدود، يجد تعبيره اساسا في العمليات وفي المظاهرات، التي لا تقربهم من هدفهم. ومن جهة اخرى، يمكن للسيسي ان يكون زعيما قويا، يتمتع بتأييد الجيش وقسم كبير من الجمهور. ولكن سيكون من الصعب على حكمه ان يتغلب ويقمع بالقوة منظمة كبيرة، ثابتة التنظيم، ذات جذور ودوافع عالية كالاخوان. ومن أجل وقف التدهور، اذا ما فشلت الجهود لقمع الانتفاضة، سيتعين على الحكم أن يتنازل ويعطي على الاقل جوابا جزئيا على مطالب الاخوان واشراكهم في الحكم. في هذه الاثناء الامر لا يحصل، وطالما لا يجد الحكم سبيلا للحوار مع الاخوان، سيستمر العنف والعمليات. ومع ذلك، معقول اكثر الا تتدهور المواجهة بين الطرفين الى حرب اهلية عامة مثلما هو الوضع في سوريا.
هناك معنيان لهذا بالنسبة لاسرائيل: الاول مظاهر العنف والعمليات في مصر غير مرغوب فيها بالنسبة لاسرائيل لانها تمس باستقرار النظام الاهم بالنسبة لها، ناهيك عن ان العمليات قد تنتقل الى اراضيها عبر سيناء. والثاني، لا ريب ان النظام العسكري افضل لاسرائيل بكثير من نظام الاخوان. صحيح ان نظام الاخوان لم يحاول المس بقاعدة علاقاته مع اسرائيل، ولكن الامر نبع من اضطرارات الواقع الصعب الذي توجد فيه مصر، فيما أنه على المستوى الايديولوجي يرفض الاخوان حق الوجود لاسرائيل. لاسرائيل مصالح مشتركة مع النظام الحالي في مصر بقدر أكبر. عمليا ازداد التعاون الامني معه، ولا سيما حول الوضع في سيناء ومنع العمليات منها، والنظام العسكري يرى في حماس تهديدا وقد شدد جدا مساعيه لاغلاق الحدود بين سيناء وقطاع غزة، بما في ذلك هدم الانفاق.

أفرايم كام
نظرة عليا 6/2/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية