الخطاب النسوي بين التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة

حجم الخط
4

اذا كان مصطلح ‘النسوية’ يشير في حد ذاته إلى الفكر الذي يعتقد أن مكانة المرأة أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل في المجتمعات، والتي تضع كلا الجانبين ضمن تصنيفات اقتصادية أو ثقافية مختلفة، باعتبار أن المرأة في نظر الرجل ما زالت حبيسة الضعف والعاطفة، لا تعامل بقدم المساواة ولا تحصل على حقوقها، في مجتمعاتٍ تنظم شؤونها وتحدد أولوياتها وفق رؤية الرجل واهتماماته، لا لشيء سوى أنها امرأة؛ وفي ظل النموذج الذكوري وهيمنته، تصبح المرأة كل شيء لا يميز الرجل، أو كل ما لا يرضاه لنفسه، فالرجل يتسم بالقوة والمرأة بالضعف، والرجل بالعقلانية والمرأة بالعاطفية، والرجل بالفعل والمرأة بالسلبية، وما إلى ذلك من تناقضات تعكس جدلية المفاهيم الثقافية والقيم وفق النظرة التي تفرضها النزعة السلطوية.
ومن هذا المنطلق التصنيفي الذي يعتمد على الجنس، جاء في الهيمنة الذكورية لبورديو: ‘ان المرأة تصبح غرضا وليس فاعلا، غرضا للشرط الاجتماعي الذكوري، حتى نستطيع بذلك فهم ممارسات المرأة ضمن هذا الشرط، بحيث تتعامل مع نفسها كغرض يتساوى فيه حقها بالكرامة، وهناك من يرى أن هذا التوغل في الغرضية الذكورية على مستوى السلوك الفكري والخطاب الأدبي ربما من اكثر الأمور إساءة للمرأة وثقافتها، الذي يجسد صورة المرأة كغرض وليس كفاعل وفق ابشع قواعد المجتمع الاستهلاكي المنوط بالقيود الفكرية’.
واذ تساءلنا عن الشرط الاجتماعي الذي جعل الرجل فاعلا والمرأة غرضا له على امتداد التاريخ، فلا بد أن نستحضر مفهوم الخصوبة عند عشتار التي كانت سيدة على الرجال بعد أن ارتبط جسدها بالبعد الإنتاجي تماما كالأرض، ومن ثم تراجعت سلطتها أمام بنيان الرجل ‘الأقوى’.. ليبقى هو الفاعل المؤثر بحكم القوة فقط.
لكن في خضم التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفتها البلدان العربية، اصبح الرجل والمرأة عبدين لثقافة الاستهلاك حتى في صناعة الإبداع والأدب، حيث أصبح الرجل يمثل دور المثقف والناقد، والمرأة دور الأداة وأساسا لغواية النص من خلال ايحاءات نصوصها وتميز لغتها التي تتماشى وفق خطاب أكثر دفئا وانسيابية، نظرا لحساسيتها المتأججة وعنفوانها الدافئ بمعاني الحب والخيال، لتعبر من خلالها عن لواعجها وأحلامها التي تتباين بين المشروع والمحرم، وبين الوعي واللاوعي، حتى تحمل الاخر خارج تعاليم الفكر والعقل وتأسره بين دهاليز الحنين والانصياع لسلطتها الانثوية، من خلال ابداعها واحساسها، حيث جاءت بعض الخطابات تثبيتا للهوية الثقافية لها بدلا من الهوية التي قُصِرَت عليها في الثقافة الذكورية، واختزلتها إلى جسد فقط، وذلك لان أدوات الخطاب الأدبي ظلت حبيسة لعقود بيد الرجل، رغم بروز أصوات نسائية على مدى تاريخ الأدب العربي، وبقت مديات تلك الخطابات من دون دراسة ولم تبوب بالشكل الذي تستحق، تأريخا لتحولاتها وتطورها.. واستثمارا للتعارضات القائمة بين الأمكنة المفتوحة والمغلقة، وبين الواسعة والضيقة، وبين المركزية والهامشية، لتمثيل الانعتاق من أطر الثقافة الذكورية وهيمنتها حتى في الطرح الأدبي.. اعتمادا في ذلك على أسس النقد التفكيكي الذي يشكك بمبدأ الارث النظري ويتتبع القيم الابداعية لكل من الرجل والمرأة في الأعمال الأدبية بغية الكشف عما فيها من انسجام أو اختلاف في الخطاب الأدبي، الذي يقوم على التفريق بين كاتب وآخر على أساس الجنس وقوة الاستهلاك، الأمر الذي أدى إلى إغفال أدب المرأة وتهميشه، وتجنب النظر إليه عند اشتقاق نظريات جمالية ونقدية، ليبقى المعنى في العمل الأدبي غير ثابت ومتحول، وغير نهائي ويقاس على ‘ الهوية الثقافية المستهلكة’… قبل كل شيء من زاوية النقد ‘الذكوري’ الذي يمارسه الرجل باسقاطات رجولية.. لا غير !

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الكريم البيضاوي.:

    أظن قبل النظر لرؤية الرجل للمرأة يجب الرجوع إلى الخلف بعض الشيء, الرجوع إلى تربية الولد وتربية البنت , إلى الأم والأب , إلى ثقافة المعاملة للولد وللبنت , من هنا يجب البدء .

    ثقافة زرع روح النقص لدى البنت ترضعها مع حليب أمها عكس أخيها , هو القوام , القادر , القوي إلخ…

    إذن كي يغير الرجل نظرته إتجاه المرأة عليه تغييرها اتجاه الطفلة في البيت أولا , هذا بغض النظر عن معارضة بعض المحافظين الذين لايريدون للمرأة أي مساواة خوفا من أن يفقدوا السيطرة عليها كأنها بضاعة وبدون إرادة وللأسف سيدات يساعدن على ذلك بحجة عدم الخروج عن ثقافة الأجداد.

  2. يقول منذر البطشة - بريطانيا:

    وجه السيدة الذي في الصورة اعلاه ( أعتقد انه وجه الكاتبة سناء الحافي) هو اجمل وجه رايته في حياتي. وهو كما قال الشاعر:
    تكاتم القمرالوجه الذي ضمنت, والوجه منها ترى في مائه القمر.

  3. يقول منذر البطشة - بريطانيا:

    السيدة سناء الحافي أعذريني اذا قلت شعرا في مقامك , والله لا أقصد التشبيب انما لفت نظري جمال طلتك فتذكرت بيت الشعر أعلاه وللعلم لم أكن أدري انك شاعرة مرموقة فاعذريني. ولأني أهوى الشعر فياليت اعرف بريدك الألكتروني لعلي استطيع انا أحوز على واحد من دواوينك؟

  4. يقول حي يقظان:

    الأخت الكريمة سناء:

    كما قلتُ تعقيبًا على مقال « قبائل بـأعلام!» (شهلا العجيلي، القدس العربي 13 أيار 2013)، إن كلَّ تلك الدعوات إلى إقامة «المجتمع المدني» وإلى تحقيق «الليبراليّة» و«التمكين» و«الانفتاح» و«المأسسة»، إلى آخره من تلك المصطلحات الدخيلة، ستبقى دعواتٍ نظريةً مستوردةً لا تعني شيئًا (سوى التبجُّح الخاوي باستعمال هذه المصطلحاتٍ الدخيلة، مثلما يتبجَّح بها الأرستقراطيُّ أو البرجوازيُّ “الكبير” أو حتى “الصغير”)، إذا ما بقيت المشكلةُ الاجتماعية الأساسيةُ قائمةً في بلادنا العربية، ألا وهي عبودية المرأة التزمُّنية أمامَ سيادية الرجل الذكورية.

    وكما قلتُ أيضًا تعقيبًا على مقال «الحرب الدافئة بين الرجل والمرأة» (عبد الودود محمد عبد الودود، القدس العربي 6 نيسان 2013)، إن الرجل “الذكر”، في الأغلبِ والأعمِّ في بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج، إنما هو الدكتاتور أو الطاغية المعبود في المنزل، وإن المرأة الأنثى، في المقابل، إنما هي الجارية أو الخادمة المستعبَدة في المقام الأول. فترين الرجل “الذكر” يأكل، بل يعلف، ويوسِّخ كالحيوان في الإصطبل، عادةً، وترين المرأة الأنثى تطبخ وتحضِّر وتنظَّف كالسائسة لهذا الحيوان في هذا الإصطبل، حتى لو كانت المرأة الأنثى تعمل عملاً أو تتوظَّف وظيفةً يتحجَّج بهما على الدوام الرجلُ “الذكر”. إذن كلُّ الكلام عن «الليبراليَّات» و«الديمقراطيات» وعن أشباهها أو مشتقَّاتها، في هذا المكان من العالم، إن هو إلا كلامٌ فارغ لا يُجْدي نَفْعًا ما لم تتحرَّر المرأة الأنثى تحرُّرًا جذريًّا من عبوديتها التزمُّنية، كخطوةٍ هامَّةٍ أولى، وما لم يتحرَّر الرجل “الذكر” تحرُّرًا جوهريًّا من عقليته السيادية الذكورية، كخطوة هامَّةٍ موازية!!!

إشترك في قائمتنا البريدية