تذكرة للرئيس القادم

حجم الخط
4

الحديث في مصر هذه الأيام عن الانتخابات الرئاسية وقانون الانتخاب الذي أعلنت عنه الرئاسة مؤخرا. الكل ينتظر الاستقرار، حتى السياسة والسياحة والاستثمار وأوجه النشاط الأخرى، كل ذلك يحتاج الى بيئة مستقرة مناسبة، ويحتاج الى مناخ تزدهر فيه السياسة، وفق المسيرة الديمقراطية، وتنشط فيه السياحة، والداخلية والخارجية، ويعود الاستثمار الى سيرته الأولى، ثم يواصل المسيرة كأحد أعمدة الاقتصاد في مصر.
الانتخابات الرئاسية نتيجتها معروفه مقدما، خصوصا بعد أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانه بتفويض المشير السيسي، لتقدير الأمر بشأن الترشح، في ضوء الظروف العامة في الوطن، والاستجابة لنداء الواجب.
أقول كما قلت سابقا إن المشير السيسي ملأ مكانا ظل شاغرا لعقود عدة وبجدارة، أجبرت معظم الشعب لكي يطالب به رئيسا، وينتهز أي مناسبة للافصاح عن ذلك باللافتات والمظاهرات، ونشيد تسلم الأيادي والهتافات. وهنا أؤكد على نقطتين مهمتين، الأولى منهما، أن المسيرة الديمقراطية تحتاج الى منافسة حقيقية، وإلا ظلت تلك الأحزاب القديمة والجديدة كما كانت من قبل، وهذه المنافسة يجب أن تظهر في مرشحين آخرين للرئاسة ممن ترشحوا للمنصب والمسؤولية من قبل، ومن غيرهم، على الأقل تدريبا للفترات القادمة وتحسبا للظروف المتطورة أو غير المنظورة على حد سواء.
النقطة المهمة الأخرى، التي يجب أن يدركها الجميع هي أن الحب والدعم لمرشح دون غيره لا تعني كراهية الآخرين، ولا تعني إعطاء كارت بلانش للمرشح الناجح أن يسير بالوطن كيف يشاء، بل لا بد من برنامج يلبي الطموحات ويحقق المطالب ويقهر التحديات، وقبل هذا وبعده يحترم الدستور قولا وفعلا.
حاولنا عند إعداد الدستور، من خلال لجــــنة الخمسيـــن، أن نوازن بين السلطات والمسؤوليات الثلاث، سلطات ومسؤوليات الرئيس، وســـلطات ومسؤوليــات البرلمان، وسلطات ومسؤوليات رئيس الحكومة. لا أحــــد في الدولة فوق القانون، ومن باب أولى ألا يكون هناك في الوطن من هو فوق الدستور ‘أبو القوانين’.
المادة 145 تؤكد أن القانون سيحدد راتب رئيس الجمهورية كما تنص المادة على الآتي: ‘يحدد القانون مرتب رئيس الجمهورية، ولا يجوز له أن يتقاضى أي مرتب أو مكافأة أخرى، ولا يسري أي تعديل في المرتب أثناء مدة الرئاسة التي تقرر فيها، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يزاول طوال مدة توليه المنصب، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملاً تجاريا، أو ماليا، أو صناعيا، ولا أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة، أو من أي من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها، أو يبيعها شيئا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها. ويقع باطلا أي من هذه التصرفات.
ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفي نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية.
ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يمنح نفسه أي أوسمة أو نياشين أو أنواط. وإذا تلقى بالذات أو بالواسطة هدية نقدية أو عينية، بسبب المنصب أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة.
أما المادة (159) فتتناول ولأول مرة تفاصيل تكاد تكون كاملة عن اتهام رئيس الجمهورية. النص يقول: ‘يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك احكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، أو أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وبعد تحقيق يجريه معه النائب العام. واذا كان به مانع يحل محله احد مساعديه.
وبمجرد صدورهذا القرار، يوقف رئيس الجمهورية عن عمله، ويعتبر ذلك مانعاً مؤقتاً يحول دون مباشرته لاختصاصاته حتى صدور حكم في الدعوى.
ويحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع، حل محله من يليه في الأقدمية، وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن.
وينظم القانون إجراءات التحقيق والمحاكمة، وإذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية أعفي من منصبه، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى.
لم يعد منصب رئيس الجمهورية بلا مسؤوليات أو بلا محاسبة، ولم يعد رئيس الجمهورية في ظل القسم قادرا – حتى لو أراد – على تغيير النظام الجمهوري بتعديل الدستور تمهيدا للوراثة. رئيس الجمهورية يأتي الى الحكم، ويرى بأم عينيه رئيسين على قيد الحياة، يمثلان – حتى كتابة هذا المقال – أمام القضاء – أحدهما تنحى والآخر معزول.
سيأتى رئيس الجمهورية الى الرئاسة، وقد شهد ثورتين شعبيتين عظيمتين في مصر، لابد أن يضعهما في الحسبان عند القرار.
يأتى الرئيس الى المكتب وهو يدرك تماما أن مصر تواجه، اعمالا إرهابية، تتمثل في التفجيرات والتدمير والقتل وتعقب بعض أهم المسؤولين، خصوصا لرجال القوات المسلحة والشرطة، وهذا الارهاب يتدثر للأسف الشديد أحيانا بدثار الاسلام والاسلام منه بريء. يتدثر الارهاب بفتاوى تجيز أو توجب تلك الأعمال الخسيسة وليس لها سند أو دليل قوى أو ضعيف من الشرع أو حتى العرف.
يأتى الرئيس الى المكتب وهو يدرك أن مصر مديونة وتمد يدها الى مساعدة الآخرين، بما في ذلك أمريكا، أو تمد يدها لتتلقى المساعدات، ونحن جميعا ندرك مقولة المصطفى صلى الله عليه وسلم ‘اليد العليا خير من اليد السفلى’. وينبغي أن يدرك كذلك أن النعم الكثيرة في مصر، التي أنعم الله تعالى بها على مصر، تحتاج الى اكتشاف واستثمار وتصنيع وتسويق وأحسن استغلال، ولا يأتي ذلك إلا بالعلم حتى لا نحتاج الى الأيدي الأجنبية، ونتجنب العبث الخارجي في ثرواتنا المادية والبشرية، أو الاملاء أو الهيمنة الخارجية. يأتي الرئيس الى مهمته ووظيفته ومسؤوليته وهو يعلم يقينا أن الصراع لا يعود الى الوطن بخير أبدا، وأن هناك من ينفخ في الرماد لإذكاء نار الفتنة، ولكن الله تعالى أنقذ مصر من مصير بعض جيرانها من العراق الى سوريا، وعلينا جميعا الحفاظ على ذلك.
يأتي الرئيس الى الحكم وينبغي أن يدرك أن الملك يدوم مع العدل وفي ظل العدل، حتى مع المعارضين والمخالفين والكارهين ‘وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى’. وطبعا كلنا نقرأ أيضا في القرآن ‘إن الله يأمر بالعدل والأحسان’ وهو أكثر من العدل. وأيضا ‘ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى’.
يأتي الرئيس الى مقعده في الرئاسة، وهو يعلم أن التحديات كثيرة وخطيرة، منها ما هو اقتصادي او سياسي او اجتماعي او فني او تقني او تعليمي او صحي او أخلاقي، وتحتاج كلها الى من يضع لها أولويات العلاج في ضوء الامكانات المتوفرة، والسعي في توفير إمكانيات جديدة، وهو يوقن ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. ويدرك قوله تعالى ‘ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ’.
يأتى الرئيس الى مكانه ومكانته وهو يعلم أن الاسلام دين الدولة وأن اللغة العربية اللغة الرسمية وأن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأن مبادئ شرائع غير المسلمين من المسيحيين واليهود في المادة 3 تنص على ‘مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية’. وهو بهذا العلم يضع الأمور في نصابها ويحافظ على وحدة الوطن والقضاء على فتنة الطائفية. وفي ضوء هاتين المادتين (2 +3 ) من الدستور عليه أن يحيط نفسه بحاشية أمينة ناصحة ليس فيها نفاق ولا تزلف.
لا يحتاج الرئيس القادم الى من يذكره بالملفات الساخنة وهي التي تشرحها أهداف الثورة ومتطلباتها، التي لخصها الثوار في العيش والحريات والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ومن المشاكل والتحديات العويصة المرور وإصلاح الطرق والمطبات، وقولة أمــــير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، عن المسؤولية واضحة في هذا الصدد ‘ والله لو عثرت بغلة بالشام ( أو العراق ) لكان عمر مسؤولا عنها يوم القيامة لما لم تسو لها الطريق ياعمر’.
أطال الله تعالى في عمر الرئيس القادم ليحكمنا فترتين لا أكثر ولا أقل، وليضرب بذلك نموذجا في الالتزام بالدستور وأحكامه، ونموذجا في التقدم المتدرج، ونموذجا في التخطيط بعيدا عن العشوائية، ونموذجا في العدل بعيدا عن الظلم، ونموذجا في معالجة العشوائية التي ضربت أطنابها في كثير من نواحى الحياة حتى طالت الفكر الاسلامي نفسه.
كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مريم:

    يارب يجعل كل ماكتبته يطبق على ارض الواقع ،وتعود مصر الحرة القوية المسلمة التي يسود فيها العدل ولايظلم فيها احد من ابنائه بغض النظر عن انتمائه وحزبه ويعين على حل المشكلة مع الاخوان بطريقة سياسية فيها الانصاف وليس التجبر والزج بهم في السجون ولاتحسبهم السلطة في مصر عضو مبتور من الجسد المصري
    مريم .

  2. يقول محمد الحسن:

    لن يكون الرئيس القادم الا دكتاتوريا , و سيبقى رئيسا مدى الحياة ,لانكم شاركتم
    في الاطاحة باول تجربة ديمقراطية في مصر ,و باول رئيس شريف و مخلص لبلده
    و امته ,و دخلتم في سرداب مظلم من الفوضى و العبودية و الخيانة للشعب و الوطن
    و لن تعود مصر كما رسمت و كتبت الا بالاطاحة بهذا الانقلاب العسكري الدموي
    الذي شاركت فيه , و عودة الشرعية كاملة.

  3. يقول ع:

    لماذا لا يطالب الكاتب بتطبيق ذلك على الجميع كي تستقر مصر؟

  4. يقول أحمد إدريس من بريطانيا العظمى:

    انتم بفعلكم هذا ،تصنعون دكتاتوا،أن عاجلا أو آجلا سوف تكونون انتم االضحايا لهذا الدكتاتور.

إشترك في قائمتنا البريدية