جنيف 2 منح الداعين للحل من الطرفين ثقة… والمعارضة السورية نالت مصداقية والدك المبرمج لضواحي دمشق خلف أنقاضا وأرضا يبابا

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’ وصف باتريك كوكبيرن الطريق المؤدي للعاصمة السورية دمشق من منطقة الشمال بأنه يمر ولعدة أميال عبر بحر من الأنقاض. وتظهر على جانبي الطريق البنايات المهشمة والسطوح الإسمنتية المنهارة وأكوام من الردم والحجارة بدون أن ترى أي بشر في الطريق أو في هذه المناطق السكنية التي كانت تقدم المأوى والعمل لعشرات الآلاف من الناس. ويقول كوكبيرن ‘مررت بهذا الطريق قبل عامين، في حرستا والقابون وجوبر، بدت في حينها البنايات مصابة وعليها آثار الرصاص لكنها كانت واقفة.
كانت هناك معارض كبرى للسيارات بنى صاحبها أمامها أسوارا اسمنتية ضخمة في محاولة يائسة منه لحماية نوافذها الزجاجية. وتبدو اليوم وكأنها تعرضت لمسح أو ضربت بقنابل سجادية، لم تترك أي بيت صالح للسكن’.

تدمير مبرمج

ويقول كوكبيرن: في الحقيقة فقد تم دك هذه المناطق وتلك الواقعة في الجنوب والشرق وبشكل منظم من قبل المدفعية السورية التي حولتها لأنقاض، أو قامت الجرافات بجرفها وسوتها بالتراب. والسبب وراء هذه الهجمات هو أن الحكومة تعاملت معها كمعاقل قوية للمعارضة، وكمواقع استراتيجية على الخطوط الرئيسية أو لقربها من طرق مهمة.
وهناك سبب إضافي وراء هذه الهجمة وهو العقاب الجماعي من حكومة تريد إظهار أن أي محاولة للمعارضة سيتم التعامل معها بيد من حديد، بلا رحمة وانتقام.

مزاعم الحكومة

ويمضي كوكبيرن في وصف المشهد السوريالي ويتحدث عن مزاعم الحكومة التي تقول إنها قررت وسط حرب أهلية وحشية هدم المناطق العشوائبة أو البيوت التي لم تحصل على ترخيص كامل من الحكومة.
ويشير الكاتب هنا إلى تقرير منظمة ‘هيومان رايتس ووتش’ الأمريكية التي قدمت تحليلا وعرضا موثقا بالصور عن عمليات هدم كاملة ‘التسوية بالأرض وعمليات الهدم غير المشروع ما بين 2012 -2013’ وأظهر التقرير الذي جاء في 38 صفحة صورا فضائية لستة أحياء، اثنان في حماة وأربعة في دمشق قبل وبعد عمليات الهدم، وقامت المنظمة الأمريكية بإجراء مقابلات مع شهود عيان، وقدر التقرير مساحة الأرض التي تم هدمها بحوالي 360 فدانا أي بحجم 200 ملعب كرة قدم.
وقالت إن معظم البنايات فيها كانت عمارات كل واحدة من ثماني طوابق في المعدل العام. ومن بين الأحياء التي يذكرها التقرير مشاع الأربعين، الحي الفقير في حماة، واستخدمه المقاتلون للدخول الى والخروج من المدينة، ولقربه من الطريق السريع دمشق- حماة- حلب، ودمر في الفترة ما بين 27 أيلول/سبتمبر و13 تشرين الأول/اكتوبر 2012 وتقول امرأة ‘عندما وصلت الجرافات أخذ زوجي يرجو الجنود عدم هدم بيتنا لكنهم صرخوا ‘نريد أن ندمر، نريد أن ندمر’.
أما الحي الثاني في حماة فهو وادي الجوز، الذي جرف في الفترة ما بين نيسان/أبريل وأيار/مايو 2013 . وبعد ذلك ذهب الجنود وتجولوا في حي آخر وأخذوا يقولون إنه سيلقى نفس مصير وادي الجوز ومشاع الأربعين حالة انطلقت رصاصة منه.
ولكن لم يكن بيد السكان منع انطلاق الرصاص من أحيائهم. ففي القابون، قرب دمشق جرت معارك شرسة بين قوات الحكومة والمقاتلين في تموز/يوليو 2012 وتم جرفه على فترات طويلة.
ويقول وليد، وهو صاحب مطعم ‘لقد رأيت الجرافات وهي تهدم دكاني، لقد أنشأ جدي المحل قبل سنوات طويلة.. كل تعب عائلتي دمر في ثانية واحدة’.
ويقول وليد إن الحكومة دمرت حي القابون على مدار 50 يوما، حيث دمر 1250 محلا تجاريا و 650 بيتا وتم إجلاء 1800 عن بيوتهم، ولم يمنح الجيش السوري سوى 24 ساعة لأصحاب المحلات كي يفرغوا محلاتهم، ‘ولم يستطع أي من أصحابها أخذ أي شيء منها’. ويضاف الى الجرف وحرث الأحياء هناك أساليب أخرى للمضايقة على السكان وعقابهم كلما دخل مقاتلون منطقة، فهناك الحصار وإقامة الحواجز على الأحياء لمنع دخول وخروج السكان منها. ومن أشهر الأمثلة على الحصار ما يجري في مخيم اليرموك الفلسطيني حيث يحاصر الجيش 18 ألف فلسطيني منذ عدة شهور.
ولم يتغير الوضع في المخيم أو في الأحياء الأخرى المحاصرة، وحتى البادرة التي كانت ستعد إنجازا لجنيف 2 لفتح الباب أمام المساعدات الغذائية الوصول للمحاصرين في البلدة القديمة في حمص لم تؤد إلى نتيجة، بسبب المعوقات التي تضعها الحكومة ولرفض المحاصرين مغادرة المكان.
ومن هنا ترى وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة آنا بلاسيو في مقال لها نشره موقع ‘بروجيكت سينديكت’ قبل أيام أن العالم والولايات المتحدة قررا اتخاذ قرار لوقف المذابح النازية في أوروبا في وقت متأخر.
وقارنت بين ما حدث أمس وما يحدث اليوم في المسألة السورية، حيث قالت إن التوقعات من مؤتمر جنيف 2 كانت متدنية لدرجة صفق فيها الجميع لأشياء تافهة مثل جلوس الوفد الممثل لحكومة الأسد مع وفد المعارضة باعتباره إنجازا.
وقالت إن مستوى المعاناة السورية صادم، رغم أن الأرقام لا تعبر عن وحشية الأطراف المشاركة في الحرب، فقد أصبح من المألوف الحديث عن مقتل أكثر من 100 ألف سوري، و 2.3 مليون مشرد، لكن الأرقام كانت قبل عام مثيرة للرعب ما بين 60 ألف قتيل و 700 ألف لاجئ . ‘ولو كان هناك مستوى من البؤس كان سيدفع الناس للقول ‘كفى’ لكانت هذه الأرقام كافية لتحريكه.
وتقول إن الحقيقة البشعة تشير إلى أن رد العالم على الكارثة السورية ظل مرتبطا بالمصالح الجيوسياسية للدول، وليس بالحاجة لوقف المعاناة المروعة التي يعيشها السوريون، وليس خافيا كما تقول إن الصراع وديمومته في سوريا يخدم كحرب بالوكالة بين الأطراف الإقليمية والدولية، سواء كانت بين الولايات المتحدة وروسيا أم بين السعودية وإيران.
وحل المشكلة يحتاج لجهود على كل هذه الجبهات. وتشير إلى موقف إدارة أوباما الذي تشكل بناء على مواقف الرأي العام المحلي.
وحتى بريطانيا وفرنسا اللتان لم تترددا بالتلويح باستخدام القوة العسكرية تراجعتا عندما اقترب الأمر من الخيار العسكري. وعوضا عن رد العالم على فظائع النظام والتعذيب في السجون أو الإعدامات التي تقوم بها المعارضة اكتفى المسؤولون بإطلاق التصريحات والمبادرات المسلوقة والتي لم تحقق أي شيء وتفضي لنهاية المعاناة.
وترى بلاسيو أن الفجوة بين الكلام والفعل تركت السعودية وقطر كي تملآ الفراغ. ومن هنا لا تزال النذر تحوم حول منظور نجاح جنيف، فثمن الجلوس في المؤتمر كان باهظا، خاصة أن كل طرف زاد من درجة العنف حتى يحسنوا من موقعهم التفاوضي. وتقول إن طبيعة المحادثات والخلافات حولها وما يجري فيها قد تغطي على الحاجة الماسة لحل الأزمة، كما أن التركيز على حكومة إنتقالية ورحيل بشار الأسد قد تؤدي لتجاوز الوضع الإنساني. وتعتقد أن المواطنين في الدول يمكن أن يلعبوا دورا، فعلى الرغم من الإجماع على ما يجري في سوريا وفهم تداعياته، هناك دعم قليل لعمل عسكري في سوريا.
ودعت بلاسيو قائلة ‘يجب علينا تحمل المسؤولية كأفراد. وهذه المسؤولية نابعة من صعوبة التوصل لاتفاق أو إيجاد أرضية مشتركة للحل.

مصداقية الحل

وترى صحيفة ‘نيويورك تايمز’ في هذا السياق أن جنيف لن يحقق الكثير لكنه سيعطي غطاء للباحثين عن حل ولكنهم يخشون من المتشددين في الجانبين.
وأشارت إلى ما صدر عن جمعية الهلال الأحمر السوري التي أعلنت عن موقف عبر عنه العاملون فيها ولكنهم خافوا من إعلانه وهو ضرورة تقديم الدعم بطريقة محايدة وهذا يشمل المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
وترى الصحيفة تطورا مثيرا للموقف لأن الهلال الأحمر السوري محسوب على الحكومة لا على الطرف الآخر. وأصدرت الجمعية بيانا على الفيسبوك في الوقت الذي توصل فيه الطرفان وبضغط أمريكي وروسي لأرضية مشتركة. وتقول إن الوفدين وقفا دقيقة صمت حدادا على أرواح الضحايا في سوريا.
وجاءت الفكرة من هادي البحرة عضو وفد المعارضة ولم يكن وفد النظام قادرا على الرفض. وجاء في بيان الهلال الأحمر السوري دعوته لكل الأطراف توفير الحماية والسماح لقوافل الغذاء والأدوية للكل المناطق في سوريا والفصل بين الملفين السياسي والإنساني. ويعني هذا تحدي بعض القوات الأمنية التي أعلنت أنه لا يمكن إدخال مواد الإغاثة بحرية للمناطق التي يسيطر عليها المقاتلون.
واهتمت الصحيفة ببيان الهلال الأحمر السوري ورأت فيه تحولا خاصة أن البيان جاء فيه ‘انتقادا’ لاقتراح الحكومة السورية التي طلبت وضع قوائم بأسماء المدنيين والمقاتلين، واصفة إياه بأنه ليس حلا وقد يؤثر على المدنيين الذي تركوا داخل المناطق المحاصرة. وعن سبب ظهور البيان الآن قالت الجمعية إن الأمر متعلق بجنيف 2، وبحسب مقابلات أجرتها الصحيفة عبر ‘سكايب’ مع مواطنين سوريين قالوا إنه يجب منح المؤتمر فرصة حتى في القضايا العالقة بين الطرفين مثل تشكيل الحكومة الإنتقالية التي قالوا إنها يجب أن تشكل بموافقة الطرفين.

توقعات

ونقلت الصحيفة عن ريم وهي تاجرة عقارات مؤيدة للنظام، قولها إنها توافق على صيغة تشاركية في السلطة كوسيلة ‘لإدارة الضرر’، وتعتقد أن الوفد في جنيف سيعمل من أجل الصالح العام وليس من أجل مصلحة الأسد.
ومع أنها لا تحبذ فكرة مشاركة أي من أعضاء الائتلاف في الحكومة ‘لكننا لا نستطيع إنكار وجود مؤيدين لهم على الأرض’. وبحسب استطلاع أجراه ناشطون على ‘فيسبوك’ ‘التحرير السوري’ حيث وافق نصف المشاركين فيه على توصيف جنيف 2 ‘أحسن مما توقعنا وقد ينتج عنه شيء’، فيما لم يخف مقاتل في شمال سوريا مواقفه عندما قال ‘عندما أشاهدهم يتفاوضون في جنيف أشعر بالرغبة في قتلهم’.
ومن هنا يرى كل طرف المحادثات مباراة قي صالح فريقه فبحسب كيفورك ألماسيان من حلب ويعيش الآن في بيروت فلهجة الحكومة المتشددة وعقاب الأمم المتحدة على محاولتها أو فرض حل على النظام كانت قوية وأعجبته، أما نوار، وهو موظف حكومي ومؤيد للنظام فقد دعا جانبه لجر المفاوضات حتى ‘جنيف 20’، وبعدها انتخاب حافظ بشار الأسد ليحل محل والده.
وبالنسبة لإبراهيم وهو صاحب محل ودمر بيته فأن قرفه من المحادثات خفّ عندما شعر أن المعارضة ستنتصر على النظام. وبين الطرفين هناك من يدعو إلى حكومة تمثل الجميع، فبحسب ماجد صرصر، ‘أنا لا أنكر ديكتاتورية النظام، نريد ديمقراطية ولكن بطريقة سلمية وليس عبر السلاح والحرب’.

الجولة الثانية

بنهاية الجولة الأولى من المحادثات تظل مسألة الإنجازات وحساب الربح والخسارة نسبية. وترى مجلة ‘تايم’ أن المعارضة السورية ربما حققت نصرا صغيرا لم تكن تتوقعه وهو المصداقية.
ففي الوقت الذي لم يتم تحقيق أي هدف من أهداف المؤتمر، حيث قضى المفاوضون يوما كاملا يتباحثون حول كيفية التحاور واليوم الثاني حول الأجندة، إلا أن ما طبع إدارة المحادثات من الجانب الحكومي هي اتسام لغتهم بالإتهامات والتصرف بغرور.
صحيح أن أعضاء الوفد الحكومي سيعودون إلى دمشق منتصرين لأنهم لم يقدموا تنازلات، فقد اتسم أداء وفد المعارضة بالهدوء والتركيز على المطالب الحقيقية لتحقيق الديمقراطية ونبذ العنف. ومن هنا فقد قدم الوفد المعارض صورة قيادية منحتهم الثقة في داخل وخارج سوريا حسب المجلة.
وجاء أداء الوفد على خلاف التوقعات في ظل النظرة للمعارضة باعتبارها مجموعة من الفصائل المتشرذمة بشكل يصعب على الدول المعنية بالشأن السوري التعامل معها ومع انقساماتها المستمرة. وبانتظار الجولة الثانية التي ستعقد في 10 شباط/فبراير، سنرى ما سيحدث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية