مطوّلات قصيدة النثر: تشغيل امكانات النثر المعطّلة

حجم الخط
0

لم تكتف قصيدة النثر المغايرة بكسر (القصر) بوصفه شرطاً من شروط فصيدة النثر في مرحلة الروّد، بل وزحزحت الكثافة بالتفاصيل، وذلك بتشغيل امكانات النثر المعطّلة في اللغة والشكل والدلالة، حتى أحلّت الفضاء البصري محل المعيار الصوتي في الإنصات الى الدال المكتوب، وذلك باستثمار لعبة السواد على البياض في التوزيع الطباعي لمساحة الورقة .
ونلاحظ في المطوّلات ما يسميه عباس بيضون بـ (السيولة اللغوية التي تستحضر اللغة كلها والقاموس كله) . (1)
ونلاحظ ايضاً فوضى في التوزيع الطباعي، ناجمة عن عبثية مجانية أحياناً .
ولكن مايعنينا من مطولات قصيدة النثر: كيفية تشغيل امكانات النثر المعطّلة، والافادة منها في كيفية بناء التعالق بين دلالة الشكل ومحتوى الدلالة.
ولغرض الملاحظة والمعاينة النصية، فقد اخترنا اربعة نماذج من مطوّلات قصيدة النثر، هي :
صياغة الظلام رعد فاضل (2) رماد المسلة – صلاح حسن (3) حينما في الحلة – جبار الكوّاز (4) الاطروحة الشعبية – رعد عبد القادر (5)
وان كانت جمالية التاريخ المحرّم المسكوت عنه، تشكل محتوى دلالة (صياغة الظلام / رماد المسلة / حينما في الحلة)، فان المبتذل / المغفول عنه تشكل محتوى دلالة (الاطروحة الشعبية)، غير ان دلالة الشكل في هذه المطوّلات واحدة، وان تباينت من حيث استثمار امكانات النثر المعطّلة بصيغ موازية لمستويات اللعب بالسواد على البياض في التوزيع الطباعي، فالسواد في مطولتي (صياغة الظلام / رمادالمسلة) قائم على نظامين من البناء يقطع احدهما الآخر في فضاء الورقة :
ـ نظام السطر الذي ينتمي الى الكتابة المدوّرة.
ـ نظام الشطر الذي ينتمي الى كتابة الجملة.
وتنبني مطوّلة (حينما في الحلة) على نظام السطر المقطوع باللعب على الكتابة داخل الاشكال الهندسية .
أمّا (الاطروحة الشعبية)، فقد اختارت نظام السطر الاعتيادي في بناء القصيدة، غير انها اتخذت من التدوير دلالة لها وظيفة جمالية وليست ايقاعية، وان كانت تلجأ بين دورة واخرى الى تكرار لازمة قاطعة لحركة التدوير، وذلك لمنعه من ان يتحوّل الى رتابة نمطية خالية من التنويع الجمالي لمستويات حركة القصيدة .
ولكن السؤال الذي يبقى عالقاً حتى تحين الاجابة عليه من الناحية الاجرائية :
هل (الاطروحة الشعبية) قصيدة مدوّرة ام قائمة على نظام التدوير ؟
لاشك ان الفرق بين القصيدة المدوّرة والتدوير (هو فرق في الشكل الذي يكتسبه التدوير أو ينتهي اليه) . (6)
تشغل مطوّلة (صياغة الظلام) ستة اجزاء، وعلى الرغم من هذا التجزيء، فان كل جزء منها يشكل مطوّلة لقصيدة نثر مستقلة، وان لم تكن قائمة بذاتها المستقلة عن الاجزاء الاخرى، غير ان الجزء الثاني يعد الشاغل المركزي لنا لاسباب ثلاثة :
ـ لانه بنية تختزل دلالة الشكل في الاجزاء الاخرى.
ـ انه خال من التذهين والهوس و(السيولة اللغوية). ـ لانه يكشف عن محتوى الدلالة بوضوح من دون اعتباطية بالقصد.
وقبل معاينة الجزء الثاني، نلاحظ بان تضخم الذات يوازي تضخم حجم القصيدة، بدلالة امبراطورية الكتابة التي يؤسّس الشاعر منها وعليها مركزيته الانوية، التي يسميها (مناسك الكتابة)، وهذا ماعبّرت عنه (مصوغات الضوء والظلام) في الجزء السادس منها :
– اخطأت، إذ استوزرت الضوء
وامرت النجوم،
ونصبت على عرش الظلام صائغاً
لاتؤدّى إلاّ بين يديه
مناسك الكتابة
ألهذا شعرائي ياقوت
فقهائي زبرجد
اقداحي ماس
شرابي ضوء احمر الشفتين
وريقي ابيض

وخلافاً للجزء الثاني، بامكاننا الدخول الى أي جزء منها، ولكن لايمكن العثور على مخرج منها، وذلك لتعدد متاهات المطوّلة، غير ان الخيط الوحيد الذي يمكن ان نتتبعه في هذه المتاهة يبدأ من الفعل : (أرى) في الجز الثاني، والذي يشكل مصدر تحوّلات الرؤيا في الاجزاء الاخرى، ومنها ماعبّرت عنه (مدوّنة الطروس) في الجزء السابع :
– (أرى / يرى / ترى / ورُوي انك رأيت)
إذاً وحدة الفعل (أرى) في الجزء الثاني اكثر تمثلاً لدلالة الشكل ومحتوى الدلالة، ويمكن ملاحظة ذلك في المقطع ماقبل الاخير المعنون ب (مدونة بريشة البغدادي)، والذي اتخذ منه الشاعر قناعاً رؤيوياً يلتحم فيه الشكل بالدلالة، وذلك باستثمار امكانات النثر المعطّلة :
(-… وكمثل شبح اشعث مغبر…، مسح
عن عينيه غبار الظلام / ومن دهليز في
قبره
انسل الى طرقات بغداد، فاخذته نوبة من
الكتابة : كأني بزمر تدهم بيوت المال
واخرى
تركب اكتاف المتحف وتقطف رؤوس ملوك
سومر وآشور وبابل … وكانت على اللقى
والسيوف والتيجان تدوس / والبغداديون
كانوا
في شغل مابين نهابين ومنهوبين، خافرين
ومخفورين، قطافين ومنفرين، مستذئبين
او مطوقين … فأما ركّع، سجد …، واما
سيف لاهث .
رأى جنرالات يلوذون بالصحراء وجنداً
يبيعون النبل والتروس والسيوف بحفنة
تمر وكوز ماء / رأى الرصافة من يدي
علي الجارم تفرّ، والكرخ يدفن بين كفيه
وجهه / رأى دجلة واقفاً، يابس الحلق،
وعليه أغلال من وحل وحديد / رأى
الفرات كمثل محارب خلف في الحرب
عينيه، وهو على رمحه يتوكّأ، ويتشمّم
الطريق الى البيت …، والعراقيون من
حوله عمى ،غفل، ذاهلون).
وقد اسهمت هذه النثرانية في تنمية وتوسيع مديات الرؤيا بالكشف عما كان مسكوتاً عنه، ونزع الحجاب عما كان يجري تحت سطوح المرئيات :
ـ رأى المستكفي بالله، ينثر على مواكب الفاتحين الذهب، وهم يدخلون بغداد ليفتحوها على الظلام
رأى القائم بأمر الله منفياً في عانه

ـ رأى بغداد كمثل امرأة هائلة ..ساقاها معلقتان
بحبل يتدلى في قبر
ـ رأى الافق نعوشاً وجنّازون يحملون الفوانيس
ـ رأى عمى ابيض يقود عمى اسود، ويجوس
به مدافن بغداد
ثم تنكسر رؤيا البغدادي (رأى) برؤيا الشاعر (رأيت) بحساسية الكتابة الموطوءة بالظلام :
– حتى رأيت الخلافة خاتماً في اصبع الريح،
والبغداديون في شغل فيما الرصافة والكرخ
كانا كمثل فكّي رحى
على اصابع الكتابة يطبقان
وشيئاً
فشيئاً في ذمة الظلام
يهبطان
إذاً (صياغة الظلام) لم تكتفِ بإستنطاق شفرات التاريخ المسكوت عنه بلسان الخطيب البغدادي بدلالة الشكل، وانما تسعى الى توسيع مديات الرؤيا بمحتوى الدلالة، لتشمل راهنية المغفول عنه، ابتداءً من (المُلك) الذي قضمه الظلام بعد غروب شمس الخلافة، وحتى سقوط بغداد الاخير بحراب المحرّرين (الفاتحين) .
وان كانت (صياغة الظلام) تنبثق من بؤرة (تاريخ بغداد المسكوت عنه)، فان (رماد المسلّة) تنبثق من بؤرة المدن المفجوعة برماد التاريخ، ومن تشظيات ال(أنا) بوصفها مركز مدار هذه المدن المنهوبة :
– إي هرمس وجدتك مشتتاً بالكلام، هذه لغتي
فخذني .. أمدّ يدي الى غيبوبتي الى اوروك الموثّقة بضفائرها الى كلكامش المحنّط في
المتحف، الى آلهة مهرّبين بأحذية الجنود،
الى التأمل الابيض …
وتلتحم الدلالة بالشكل من خلال تنويع مستويات الرؤيا برماد الحروب الناجمة عن طاقة الخطأ في التاريخ :
كل ملتح فارس ايها الراجلون، غطّوا اقوال الضحية بالديباج وبولوا على الدم ولاتقولوا انتصرنا .. لان الشهيد
غنيمة، فغلطتنا الاربعاء ولا احد يشي بأحد، سقطنا من
عين الله في التسمية، والجنون خطأ الفكرة لابراءة السبب .
فما معنى ان تقول إملأ زمني بخروجك او معاوية واسع
البلعوم ؟ صحّحوا خطر الجملة او احفظوا صحة الخطر، بحيث اقف في منتصف الهواء، وأنا آخر ضوء في القافلة .
ولم تكتفي القصيدة بتنمية وتصعيد هذا البث الرمزاني المشفّر، وانما تقوم باستثمار (رموز المسلة) العراقية كشرط لقيامة الرؤيا وانبعاثها من رماد التاريخ – الآن :
ـ فيابن النابغة، يابن النابغة، لذا هولاكو يهدم قبورنا
وصبياتنا يكبرن في الكراجات
ـ ايّها السيد حمورابي إحتمِ بقبرك
ـ ايتها السيدة المسمارية إختبئي في حضارتك
ـ اتذكر ياعامر بن سعيد..؟ نعم ..ركعتان في بيت
المال، لم يمت الخليفة .. فرّقي الدنانير يازوجتي
وخذي خوفي واشطفيه من احلامك لكي اتذكّر انني
نسيتك
– يابن السكيت لاتنادم الخليفة
ـ ايّها الرب دع عرشك قليلاً ولنتحدث عن القمامة
وعلى الرغم من ان الفجوات والطيات والشواغر المنقوطة والجمل المشذّرة بين ثنايا السواد والبياض – كانت جزءا لايتجزأ من نثار الرماد الدال على تشظيات الذات وتفكّك الواقع، فان هذه المطوّلة استثمرت من امكانات النثر المتاحة ماجعلها تتجاوز المستندات التاريخية الرمزانية ، وبخاصة الكيفية التي حرّرت بها ماتبقى من رماد المسلة من هيمنة التاريخي، لان الشاعر ادرك بأنه لايؤرِّخ، وانما يشذّب التاريخ من الاخطاء والاكاذيب .
وتنبثق مطوّلة (حينما في الحلة) لجبار الكوّاز من بؤرة (الحلّة القديمة) كحاضنة جديدة للطفوف برؤيا تلتحم فيها دلالة الشكل بمحتوى الدلالة الملموم .
وعلى الرغم من التناص الاشاري مع الجملة الشعرية للسياب، وبيت الجواهري، فان هذه المطوّلة تقوم بتوسيع التناص وتخصيبه (لا) بصيغة استدعاء اكبر حشد من رموز (الحلة القديمة) ومرموزاتها التاريخية، وانما بصيغة استخدام (رموز كارزمية) بطريقة الاحالة اليها أولاً، وباستثمار معكوس الاحالة الى القصيدة ثانياً . لهذا فالامتياز الذي تنوء به (حينما في الحلة) انها تستعير موضوعة (الطفوف)، ولكنها تنزع الاستعارة منها، بعد ان تحرّر الطفوف من سياقها التاريخي، وتمنحها دلالة جديدة تلتحم مع الشكل في رؤيا منفتحة على الرمزانية الدينية للطفوف، ولكن على نحو مفارق لمرجعيتها الميثولوجية.
ويمثّل التناص الاشاري مركز سرّة القصيدة، حيث يقوم على نوعين من التعالق البنائي :
اولاً – المزاوجة بين المفردة الحيوية (مطر) المكرّرة ثلاث مرات للسياب مع جملة نثرية من النص، ثم المزاوجة بين ثلاث مفردات من النص مع جملة شعرية للسياب مع استبدال آخر مفردة من الجملة (جوع) بـ (طف)، وتتم عملية التناص باسلوب التقديم والتأخير على النحو الآتي :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مطر /مطر / مطر / أهطل علينا النار
بالعصف

رأس / جسد / كف / مامرّ عام والعراق ليس فيه طف

ثانياً – اعادة تكرار التناص الاشاري مع السياب بصيغة التعالق مع بيت الجواهري على النحو الآتي :
– اغثنا يامغيث الصارخين / مطر/مطر / مطر /
انزل علينا جسداً جديداً / انزل
علينا رأسنا الحليق / انزل علينا الروح بالسكينة /
نار عصف / مامرّ عام والعراق ليس فيه طف / فكيف
ننهي دورة الطفوف /
واختم الافادة / بقول ماخوّلني الاحياء والاموات / مردداً بيت ابي فرات :

ولمّا حمت الاقدار القت بهم جيف البطون الى العراق
ومن طفوف هذه المدينة وتشظيها الانساني، تنبثق رؤيا القصيدة :
ايقظني بوقك يااسرافيل، خارج السياق / الملح في الدنان والغيم
في الجرار والدمع في المآقي /
والموت في العراق، فكيف تنهي دورة القطوف ؟!
وتقوم القصيدة بتنمية عنصر التوتر الدائم، ثم تقطعه باشكال هندسية، حتى تحدُّ من تدفق التكتلات الموجية، غير ان عنصر التوتر يبقى يتحكم في الشد والجذب حتى داخل الكتابة المؤطرة باشكال هندسية .
ويتجلى سطح القصيدة إما بجملة او فقرة مؤطرة بشكل هندس (مربع او مستطيل) قاطع لسياق النمو النثراني، وهو جزء (كما يبدو) من لعبة توزيع السواد على البياض :

متكىء جدار الامام وعن يميني مرقد الامام وعن شمالي مرقد الامام على هوى عصا مني دار غيبة الامام وخلف سدرة القيامة الاسد المقهور وشهقة الفرات فار كالتنور / ومرقد الامام / وساعة بصمتها افزعت الحمام

وتنفتح الرؤيا على طفوف المدينة بنزعة آركولوجية بدرجات عالية من النثرانية :
وثيقة خارج السياق
نحن الموقعون ادناه مختار واختيارية منطقة الحلة القديمة نخوّل السيد جابر الفخّار اداء افادته نبابة عنّا في موقعة طف الحلة الجديد الواقع في يوم الاثنين الموافق آخر شباط الاسود عام 2005 م :
1) الامام ابن النما …………. .المقتول في الحلة
2) الامام ورام الجيواني …… …المقتول في الحلة
3) الامام ابو القاسم ………….. .المقتول في الحلة
4) الامام ابو الفضائل …………..المقتول في الحلة
5) لامام ابن العباس …………. المقتول في الحلة
6) مصلّو دار غيبة الامام المنشورون على لائحة الاغتيال .
7) اسد بابل المكسور فكه منذ عام – 1904
8) ساعة البلدية التي بصمتها افزعت الحمام
نلاحظ بان هذه الوثيقة قائمة على تحيين طفوف قديمة في (طف جديد) عام 2005 م، وبذا لايستدعي هذاالطف تاريخ طفوف المدينة فحسب، وانما يقوم باستثمار الاحالة بالمعكوس لمن هم منشورون على لائحة الاغتيال من مصلّي دار غيبة الامام بدلالة (منشورون)، والذين هم غير ذلك، هذا بالاضافة الى الشواهد الدالة على مفاصل الحياة المعطّلة، وبخاصة الصمت الدال على الزمن المعطوب في (ساعة البلدية) .
وفي ملاحظة مذيلة اسفل (الوثيقة) قائمة على كسر الايهام بالواقع، تحمل توقيع الشاعر (جبار الكوّاز) نفسه الذي كتب (الوثيقة) على نحو مفارق بين الحقيقة والمجاز :
ملاحظة – : ضبطت الافادة وبَصمَ الشاهد والشهيد بدمه، وتوضأ وصلّى ركعتين / في العصف في الساعة التاسعة من صبيحة الاثنين الموافق الآخر من شباط عام 2005 من قبل الكاتب جبار الكوّاز .
وعلى الرغم من درجة شاعرية القصيدة، فان امكاناتها النثرانية خصبّت الرؤيا الآركولوجية للطفوف باستثمار الوثيقة والواقعة والملاحظة، وقبل ذلك التناص الاشاري .
امّا مطوّلة (الاطروحة الشعبية) لرعد عبد القادر، فهي ليست قصيدة مدوّرة، وانما افادت من شكل التدوير لاثراء رؤيا كونية تنبثق من بؤرة شعبية بعناصر درامية انسانية .
وتعترض حركية التدوير لازمة مكرّرة، هي في جوهرها دالة على فلكية الشاعر بوصفه مركز مدار الاشياء، وذلك باستخدام لعبة الضمائر المتبادلة :
فلك فلك
فلك فلك
فلك فلك
وتحتفي هذه المطوّلة بتوزيع الكتابة على هيأة اوفاق او طلاسم في مواضع معينة، منها هذا الشكل الكتابي :

اعرف زمن اعظم من زمنك زمن اعرف بيت كل شمسه حزينة
بيت
اعرف كتاب اعظم من كتابكم كتاب اعرف قمر كل بيته مجانين
قمر
اعرف خاتم اعظم من خاتمكم خاتم اعرف قط اسود يطير
قط
اعرف شجرة اعظم من شجرتكم شجرة اعرف ملكة مكتوبة
ملك

زمن كتاب قمر بيت

خاتم شجرة ملكة قط
ويأخذ التكرار فيها مستويات متعددة منها :
1) تكرار المفردة الاولى من كل جملة .
2) تكرار الجملة مع تغيير آخر مفردة منها .
3) تكرار باسلوب التقديم والتأخير .
وتسعى هذه المطوّلة الى ابتكار نمط من الكتابة بين اللغة العامية واللهجة الشعبية، غير انها تحتفي بجمالية اللغة العامية المبتذلة :
– صانع عكازات
لطام، مواكبي، عزائي، جرفجي
نظّام سبح، لمبجي، صاحب خراج
ملفق تهم، شاعل فتن، حائك دسائس
قصخون، مهندس مساحة السواد
ونلاحظ بان الشاعر ذو طبيعة هرمسية، متناسخة، متقلبة، متحوّلة ،متبدّلة، يتمركز حول ذاته بصفات عليا ودنيا :
1) أنا بصفات عليا
– مازلت تتناسخ ايّها الفلكي
– أنا صاحب العنادل الغبشية
– أنا صاحب المصباح ماذا افعل بالعصا؟
2) هو بصفات دنيا
– عربنجي
هو عربنجي صواعق
ودرزي عطور
هو دائماً يضع في فمه بوقاً اسرافيلياً ،
ويضع في يده خشخاشة يخشخش بها للقرون
المظلمة
انقلابي فظيع
انقلابي بديع
وتحتفي هذه المطوّلة بدلالة الشكل الذي ينقض محتوى الدلالة بصيغ متعددة، منها
اولاً ـ الاغراب
– غمامة على شكل قفل
– عقرب على شكل رسال
– سلحفاة على شكل قصر
– بقرة على ظهرها رجل

ثانياً – اللعب بالدوال
– اغرب المنائر آباركم اغرب الابار منائري
– وخرجت
دولة
لها
اخلاق
السمكة
على التراب

ثالثاً التلاعب بالضمائر
– اضع فمي على فم النار واصابعي
على ثقوب النار
– قم ايّها القتيل ياشراب الرمان
– فلك هو فلك
وعلى الرغم من الانفتاح اللغوي، واستخدام الفضاء البصري في التوزيع الطباعي على الورقة، فان هذه الاطروحة تصر على انتمائها لمفهوم القصيدة بدلالة النظام الشطري في بنائها الشعري، غير ان محتوى الدلالة ينم عن نزوع متمرّد على هذا النظام من الداخل، لدرجة زحزح شاعريتها بدرجات عالية من النثرانية، مما اتاح استخدام اقصى امكانات النثر المعطّلة في تخليق (اطروحة شعبية) برؤيا كونية تنمو وتتشكل بعناصر درامية انسانية على الرغم من جمالياتها المبتذلة في اللغة العادية واللهجة الشعبية . وبذا تمثّل (الاطروحة الشعبية) اعلى تمرّد وصلت اليه قصيدة النثر المغايرة لمرحلة مابعد الروّاد، وهي نتاج فوضى منظّمة من المتناقضات، يتلاقى فيها ويتعارض (اليومي بالابدي / العادي بالمتعالي / الواقعي بالغرائبي / النثراني بالشعري) .
وان كان مايجمع بين مطوّلات قصيدة النثر الكيفية في كسر(القصر) بوصفه شرطاً من شروط قصيدة النثر في مرحلة الروّاد، فان ما يجعلها تختلف بينها – كيفية تشغيل امكانات النثر المعطّلة بحيوات تعبيرية متجدّدة في اللغة والشكل والدلالة .
هوامش
(1) عباس بيضون / سندباد بحري مقدمة للاعمال الشعرية لامجد ناصر / المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت عمان / 2002 /ص 13.
(2) رعد فاضل / صياغة الظلام / جريدة الاديب العراقية / ع (121 في 31 / آيار / 2006.
(3) صلاح حسن / رماد المسلة / جريدة الاديب العراقية /ع (160)في 30 / كانون الثاني / 2008 .
(4) جبار الكواز / حينما في الحلة / جريدة الاديب العراقية / ع (131) في 16 آب / 2006 .
(5) رعد عبد القادر / الاطروحة الشعبية / جريدة الاديب العراقية / ع (83) في 3 / آب / 2005.
(6) د. علي جعفر العلاق / حداثة النص الشعري / دار الشؤون الثقافية / بغداد / ط1 / 2003 / ص 82

*ناقد وكاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية