معركة الرئاسة بين السيسي وعنان وصباحي

شهدت معركة الرئاسة المصرية بداية مبكرة رغم ان احدا من المرشحين المحتملين لم يعلن بعد رسميا دخوله السباق، بانتظار نتائج حسابات معقدة واتصالات و’تربيطات’ تجري وراء الكواليس، ينتظر ان ترسم ملامح الخريطة الانتخابية، وان كانت النتيجة تبدو لكثيرين محسومة، ومن الجولة الاولى لمصلحة المشير عبد الفتاح السيسي.
الا ان هذا لا يمنع من طرح الاسئلة الصعبة على كل الاطراف، والاستفادة من هذه اللحظة الكاشفة وربما الحاسمة في استشراف مسارات ومآلات عديدة، قد تحدد مستقبل مصر والمنطقة بأسرها.
وهذه محطات سريعة في رحلة لاستكشاف المواقف الحقيقية وما وراءها للاطراف الفاعلة في هذه المعركة.
اولا المشير عبد الفتاح السيسي:
على الرغم من انه لم يعلن حتى الان ترشحه رسميا، الا ان حملته الانتخابية بدأت فعلا، اذ اقيمت المقرات الانتخابية في عدد من المحافظات، استعدادا لجمع التوكيلات المطلــــوبة وتقديمــــها مع فتح باب الترشيح المتوقع بعد اسبوعين، فيـــما تشـــــير التوقعات الى ان الانتخابات ستجري في السابع من ابريل/ نيسان المقبل، وهو ما يكفل الوفاء باستحقاق انتخاب رئيس جديد خلال ثلاثة شهور من اعتماد الدستور الجديد، اي قبل الثامن عشر من ابريل.
واذ اكتب هذه السطور من مصر، فان الاجواء العامة تشير الى ان السيسي قادر على الحسم من الجولة الاولى، خاصة في غياب منافسين حقيقيين حتى اذا ترشحت كافة الاسماء التي يجري تداولها حاليا، واهمها حمدين صباحي والفريق سامي عنان والدكتور عبد المنعم ابوالفتوح.
الا ان الشعبية الواسعة للسيسي لا تخلو من اسباب مشروعة للقلق، بل المخاوف من ان المعطيات التي ترافق دخوله كـ’مرشح أوحد’ عمليا قد تعيد انتاج صورة ‘الرئيس الاوحد’ التي عانت منها مصر لعقود طويلة.
ولم يساعد البيان الذي اصدره المجلس الاعلى للقوات المسلحة في تهدئة هذه المخاوف، بل ان اسلوب اذاعته الذي ذكرنا ببيانات الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو بدا كجزء من الحملة الانتخابية للمشير، مع ان المفترض ان قرار استقالته ثم ترشحه هو قرار شخصي بحت، يتخذه ويتحمل مسؤوليته بعيدا عن المؤسسة العسكرية.
ويكرس هذا المخاوف ان مرشحين من ذوي خلفية عسكرية مثل الفريق احمد شفيق واللواء مراد موافي والفريق حسام خير الله قرروا التراجع عن الترشح، في حال قرر المشير السيسي دخول السباق، وكأنهم يعتبرونه مرشح المؤسسة.
الا انه ومن وجهة نظر الداخل المصري، فان الحديث عن ‘ديكتاتورية عسكرية’ يبدو مبالغا فيه الى حد سوء النية احيانا، بالنظر الى التطورات الدراماتيكية التي شهدتها مصر خلال الاعوام الثلاثة الماضية، وحقيقة ان الجيش المصري انحاز في ثورة يناير الى الشعب وليس للمخلوع مبارك، رغم خلفيته العسكرية، نظرا الى تقاليد هذا الجيش الوطني الاحترافية الراسخة التي تجعله جيشا للشعب والدولة وليس لاي نظام.
ويشير هذا التأخر من جانب السيسي في اعلان ترشحه الى ادراكه لصعوبة القرار، رغم ان فوزه في الانتخابات يبدو مؤكدا، ورغم ان رئيس الجمهورية في مصر هو القائد الاعلى للجيش، اي انه سيحتفظ عمليا بقيادة الجيش.
وحسب معلومات اظنها دقيقة، فان مجلس الوزراء ينتظر قرار السيسي بالاستقالة للاعلان عن التعديل الوزاري المرتقب، والمتوقع ان يشمل ما بين ثماني واحدى عشرة حقيبة. وربما يرجع التأخير الى رغبة السيسي في اعلان برنامج انتخابي وليس مجرد قرار بالترشح، وهو ما يحتاج بعض الوقت.
وعلى اي حال فان السيسي استفاد من دون شك من اجواء التفجيرات الارهابية والمظاهرات العنيفة التي تشهدها البلاد، حيث يرى كثيرون ان البلاد تحتاج الى قائد حازم لمواجهة مخطط شبه علني بتحويل مصر الى سورية ثانية. وهؤلاء يعتبرون ان عودة ملامح الدولة الامنية انما هي ظاهرة مؤقتة، وهي قابلة للعلاج ، وعلى اي حال افضل من انهيار الدولة.
ثانيا – جماعة الاخوان وابو الفتوح وعنان:
تواجه جماعة الاخوان اختبارا صعبا في الانتخابات، بالنظر الى انها مضطرة الى احد خيارين كلاهما مر: اما المقاطعة، وهو ما سيحدث رسميا على الاقل، وبالتالي تكريس غيابها عن الساحة السياسية، او دعم مرشح لن يتمكن من الحصول على نسبة معقولة ناهيك عن ان يفوز في الانتخابات.
وتتضارب التكهنات بشأن دعم الجماعة سرا للدكتور عبد المنعم ابو الفتوح او الفريق عنان او كليهما، الا ان كليهما يبدو خيارا غير واقعي، الا اذا كان المطلوب من دعم الحملة الانتخابية تحقيق ‘اهداف اعلامية’ تخدم خطاب الجماعة القائم على ان ما حدث انقلاب عسكري، رغم ان مجرد المشاركة ستعني اعترافا عمليا بخارطة المستقبل.
اما ابو الفتوح فقد اصبح محل استقطاب حاد بين اعضاء الاخوان، اذ يراه البعض الامل الوحيد الباقي لاستعادة التنظيم، عبر قدرته على تبني خطاب اكثر اعتدالا، الا ان اخرين يعتبرون انه جزء من المشكلة وليس الحل، باعتبار انه كان بين الداعين الى مظاهرات ثلاثين يونيو، وان اعتبر الثالث من تموز يوليو انقلابا، ما جعل مصداقيته محل شكوك واسعة عند الاسلاميين كما هي عند المعسكر الاخر.
ومن المثير للدهشة ان يتحدث البعض عن ابو الفتوح كمرشح للاخوان، بينما كان ترشحه قبل عامين بين اسباب عدول الاخوان عن قرارهم بعدم دخول الانتخابات الرئاسية. وهو ما يعتبره البعض خطأ تاريخيا قد يكلف الجماعة وجودها نفسه.
اما بالنسبة للفريق عنان، فانه لاسباب شخصية وسياسية يعد من المقربين الى الجماعة، ويعتبره بعضهم من اسباب وصولهم الى الحكم، وهو ما لا يخدم شعبيته بشكل عام. اذ تعرض لحملة قاسية من ابواق اعلامية اتهمته في ذمته المالية ووطنيته، رغم انه كان جزءا من المجلس العسكري الذي مازال يحظى بثناء تلك الابواق نفسها. الا ان كثيرين يربطون الفريق عنان بفشل المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية، ما يجعله جزءا من الماضي، غير انه لم يكن معروفا بكفاءة سياسية او كاريزما تؤهله لتحقيق ولو ‘تمثيلا مشرفا’ للاخوان في الانتخابات الرئاسية، ما يجعل المراقبين يشكون في ان يكون مرشحا جديا اصلا، وان كان دعمه من الاخوان واردا نظرا للخصومة الشديدة التي تحكم علاقته بالمشير السيسي.
ثالثا- حمدين صباحي و’جبهة الانقاذ’ على الرغم مما يتمتع به حمدين من دعم بعض الناصريين واليساريين وبقايا ما كان يعرف بجبهة الانقاذ او حزبه المعروف بالتيار الشعبي، فثمة شبه اجماع بين المراقبين على ان حظوظه قليلة الى معدومة في الفوز. ويواجه حمدين الخيار المر نفسه، فهو لا يحظى باتفاق معسكر الثوار على شخصه، وهو لا يريد ان يكون للمرة الثانية سببا في تفتيت اصوات الثورة، وبالتالي اما ان يغامر بتاريخه ويدخل في انتخابات نزيهة، لكن لا يحصل فيها الا على اقل من عشرة بالمئة من الاصوات، ما يكشف المكانة الحقيقية التي اصبح يمثلها، او ان يبقى حيث هو في موقعه الملتبس المتطلع الى المنصب اكثر من اي شيء اخر، حسبما اصبحت صورته حتى عند معظم من صوتوا له في الانتخابات الماضية.
ويستطيع اي مراقب ان يتخيل الفارق الهائل في المسارات السياسية اذا كان حمدين وابو الفتوح اتفقا على تشكيل فريق رئاسي في 2012 بعد ممارسة القليل من فضيلة ‘انكار الذات’.
والخلاصة ان الانتخابات الرئاسية مع توفر ضمانات دولية بنزاهتها، تمثل فرصة حقيقية لاي قوى سياسية قادرة على تقديم مرشح حقيقي قادر على حسم هذا المشهد المعقد لمصلحتها. ومن مصلحة التحول الديمقراطي ان يترشح كل من يظن نفسه قادرا على تحمل المسؤولية، بغض النظر عن الحملات الاعلامية، الا اذا كان الهدف هو اجهاض العملية السياسية اصلا، دفعا للبلاد الى هاوية الفوضى والمجهول.

‘ كاتب مصري من أسرة ‘القدس العربي’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية