المؤامرة التي كنت طرفا فاعلا فيها

في مراهقتي كنت أقضي الكثير من الوقت في دراسة نظريات المؤامرة والبحث في مدى قابليتها للتصديق، وما يمكن أن يترتب عن احتمال أن تكون حقيقة. كنت كلما قرأت أكثر، زدت ريبة وشكاً في حقيقة كل شيء، حتى أنني شككت في حقيقة وجودي وما إن كان مجرد واقع افتراضي وعالم متوازٍ لكينونة أكثر ذلاً وهزيمة، كما أشارت إلى ذلك في ما بعد سلسلة أفلام ‘ماتريكس’ الشهيرة.
بدأت صغيراً أقرأ بنهم عن بزوغ الماسونية وبناء هيكل سليمان والأسر البابلي، إلى تاريخ المسيحية وصلب المسيح وانقلاب بولس الرسول على الناموس الإسرائيلي العيسوي وتأسيس الكنيسة واغتيال الأنبياء والبابوات والكهنة. اهتممت كثيراً بقصة الكأس المقدسة ومريم المجدلية ونسلها الذي قيل انه من صلب المسيح، ثم سمي بسلالة ‘الميروفنجن’ الذين حكموا أوروبا في مناطق متفرقة في العصور الوسطى، ثم إلى فجر الخلافة الإسلامية والفتنة الكبرى ومقتل الحسين وتوريث الحكم وسقوط بغداد والأندلس وانهيار الدولة الإسلامية وعهود الاستعمار، وعدت إلى عهد الحروب الصليبية، حيث ظهر فرسان الهيكل وشيخ الحشاشين في آلموت والكاثار في أوروبا، إلى المزيد عن الماسونية العالمية والصهيونية وتغلغلهما في مؤسسات الأديان وطوائفها والدول وأركانها، وتتبعت خيوط مجلس ‘الإلوميناتي’ الذي يزعم أنه يحرك خيوط العالم من وراء الستار، وتعلقت بنصوص أشهر نظريات المؤامرة ‘بروتوكولات حكماء صهيون’ التي قيل إن مجموعة من دواهي اليهود صاغوها في القرن التاسع عشر، في خطة طويلة المدى لحكم البشر وتمهيد الطريق أمام ظهور ‘المسيح الدجال’ أو ما يسمى أيضا بعدو المسيح، وما راج عن أن الولايات المتحدة تمثل الخطوة الكبرى لوصول كل تلك المؤامرات إلى مبتغاها النهائي، الكامن في انتصار الشيطان وسيادته على العالم وقضائه على كل دين وكل قيمة للخير أرساها الخالق وخلفاؤه الرسل على هذه الأرض. كما كنت مسحوراً بفكرة الأطباق الطائرة والزوار الفضائيين منذ طفولتي، وكنت أمني النفس لو أن أحدها يخطفني ويجري عليّ تجارب تنتهي بتحولي إلى سوبرمان ذي قدرات خارقة، أو أن أجد نفسي أعيش على كوكب آخر أكثر رحابة وأقل إحباطاً.
خلال رحلتي تلك صرفت مدخراتي وأموالي في السفر بحثاً عن مكان يقودني إلى حيث تعرّي المؤامرة نفسها، واقتفيت أثر كل رسالة غامضة قرأت عنها وزرت المكتبات العظمى والمعابد الماسونية والكنائس بحثا عن وثائق تعطيني إجابة وافية، وتغلغلت في تفسير غموض لوحات مايكل أنجلو ورافاييل وليوناردو دافنشي وغيرهم، ونصوص مشاهير عصر النهضة مثل غاليليو وغوته ونيوتن التي انقلبت سراً وبنعومة على الكنائس الأوروبية وسلطة الفاتيكان فانتقمت منها من حيث لا تدري، ثم انبهرت بكتابات العبقري الإيطالي أومبرتو إيكو وسلسلة روايات دان براون وأفلام ستانلي كوبريك وقنوات التلفزة الإنجيلية ومواقع الانترنت المعادية للماسونية والصهيونية العالمية، إشباعا لحاجتي للاقتناع أن كل هذا الكم من الشك يمكن أن تكون له مساحة على أرض الواقع الخفي المفعم بالتآمر على العقل الجمعي وحياة البشر، تؤكده انجرافات مسارات السياسة الدولية الغادرة والجاسوسية الاستخباراتية الغربية والكيان الصهيوني الذي مكن نفسه في قلب منطقتنا العربية والأراضي المقدسة في فلسطين، وانحطاط الواقع العربي وكرامته وعيشه في قوقعة الجهل والبؤس والقمع والتخلف الحضاري.
قصص تمخضت عن وعد بلفور، وسقوط الدولة العثمانية وسايكس بيكو وحتى اغتيال كينيدي، لم أكن وحدي المرتاب منها في كل هذا العالم القابع في أحلك مساحات الحياة ظلمة، بل أن كل ما أسلفت ذكره كان له متابعون ومهوسون يغذون كل هوة سحيقة في خريطة ألغازه المثيرة ليجعلوها أكثر إبهاراً وأكثر ريبة وأكثر قابلية للتصديق، وإقناعي أنها متآمرة عليّ وعلى غيري من ‘الدهماء’. ولأنني لم أكن أريد أن أنتمي للدهماء، فقد كنت عازماً على أن أكون مدركاً للمؤامرة، مستعداً لمحاربتها، أو في أسوأ الأحوال أن أكون طرفاً في خطتها المحكمة أو لاعباً من لاعبيها الكبار حتى أحسب مع المتنورين، بدلا من أن أكون واحداً من ‘الغوييم’ أو العبيد.
لم يقدني كل ما سبق والمعرفة به إلا إلى مزيد من الحيرة والضياع والخوف والشك والشعور بأنني لا أملك لتغيير مسار المؤامرات شيئاً، وأنني الضحية في نهاية الأمر لا محالة، وأنني لا أستطيع تغيير النهاية التي تعني أنني لست سوى بيدق في رقعة شطرنج لا يعرف لها آخر، سيضحى به عاجلاً أم آجلاً من أجل أن يزحف الملك ووزيره إلى ساحة النصر. رأيت نفسي مجرد حجر مكسور في طرف الهرم عاجزاً عن رؤية رأسه، أقبع أسفل عين الحقيقة التي ترى كل شيء من حولها من دون أن أراها، ومجرد دعامة لحجر الزاوية الذي لا يتزعزع وترتكز إليه كل الأحجار المتراصة، يثقل كاهلها حمل لا يمكن دفعه بعيداً، ثم وفي لحظة تجلٍ نادرة شعرت بأنني كنت أهرب بإيماني بكل ما سبق من الواقع الذي عجزت إلا أن أعزي نفسي بعجزي عن تغييره أو لعب دور فيه. وجدت أنني وفي غفلة الانشغال بكل المؤامرات، بتّ أقبل كل ما يحبطني، لأنه مؤامرة كبرى لا يمكن هزمها. لم أكن وحدي، فعزائي لنفسي كان مجرد وريد واحد لشبكة من الأوردة البائسة يغذي بعضها بعضا نحو القناعة بأننا متآمر علينا، وأننا لن نملك لإيقاف عجلة ومسار التاريخ الذي سيصل لمحصلته بنا أو بغيرنا.
الآن عد إلى كل ما ذكرت، وقل لي إنني لم أكن ولا أزال، لولا أن اعتقدت أنني يجب أن أتوقف عن الهراء، متآمراً على نفسي أولاً، وجزءا فاعلا في مؤامرة أدفعها أنا وكل من هزم نفسه وهزمني باتجاه تحويل المؤامرة إلى حقيقة. قل لي إن أحداً آخر لا يشبهني ولا يجند نفسه بيدقاً آخر في الرقعة، من دون أن يقرر أن يتوقف أو يصحو، أو يتقدم ليقاتل أو يضحي بنفسه من أجل أن يصل بيدق آخر لمربع الملك أو الوزير، أو يلامس عين الحقيقة فعلا!*

‘ ملاحظة: عدد كلمات المقال 825 كلمة.. 25+8=33 كما أن 5-2=3 و 8-5=3. الرقم 33 (زوجي أي يمثله العدد 2 الذي يتوسط مجموع الكلمات) يمثل الرتبة الأعلى من رتب العضوية الماسونية. هذه مجرد بداية فقط للأسرار الرقمية والرمزية للمقال، إن أردت أن تصدق!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فادي ايطاليا:

    الاخ كاتب المقال.. اوافقك بان الايمان ان الموامرة تحرك كل ما حولنا يجعلنا جزءا منها.. الا ان الماسونية موجودة ولها ثقل كبير في بعض الدول.. ففي ايطاليا قام المحقق كولومبو بكشف شبكة تضم أكثر من ٩٠٠ اسم منهم جنرالات في الجيش والشرطة والاستخبارات ومدراء بنوك ورجال أعمال منهم برلسكوني ..زعيم الشبكة ليتشو جيللي كان يحرك ايطاليا وقد بدأ حياته عضوا في الحركة الفاشية وبعد نهاية الحرب جندته السي آي ايه.. والرجل الثاني في المنظمة كان اندريوتي رئيس وزراء ايطاليا لعدة سنوات الذي انهار حزبه بعد فضائح ارتباطهم عضويا بالمافيا الصقلية التي كانت تغسل الاموال في بنك تابع للفاتيكان وجدت جثة مديره معلقا على جسر في لندن!!

  2. يقول عبد الله الشيخ:

    تجربة رائعة وشاملة لكنها ناقصة، فالإيمان بنظرية المؤامرة كما رواها الكاتب هراء، ورفض المؤامرة هراء أيضاً، المؤامرة موجودة دائماً فكل دولة عظمى تخطط لبقائها وهذا يعني تخطط لتدمير أي بذرة تحتمل المساس بها، لكن الإيمان بها والتوقف عن مجابهتها، موت في الحياة، وعدم الإيمان بها والتغاضي عنها موت أتعس.

  3. يقول خالد اللباد / مصر:

    كون المؤامرت موجودة فهذا لاشك كائن وإلا مافائدة أجهزة التنصت والإستخبارات ؟؟ الكارثة ليست في وجود المؤامرات وإضاعة العمر في فرضية وجودها من عدمه ولكن المصيبة في الإنبطاح لها والتلذذ والإستمتاع بترديد كلمة مؤامرة بصورة تؤكد أن الشخص الذي يشكو المؤامرة ليل نهار هو في الواقع متآمر على ذاته أو مريض

  4. يقول سلمى:

    لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. و الهداية هنا ليست روحية فقط و لكنها هداية الي الصواب تستلزم الأخذ بأسبابها. يعني إذا قرأ الإنسان المسلم التاريخ و فكر و تفكر في الواقع بعيدا عن العواطف الكاذبة, هل كان سيسقط في فخ أكاذيب المقاومة و الممانعة مثلا؟

  5. يقول أنور - برشلونة:

    يقول أحد الفلاسفة (لا يحضرني الآن ):إنه من الخطأ تصوير التاريخ وكأنه مؤامرة ولكن ما أشد منه خطأً تصويره وكأنه صدفة .ويقول الله عز وجل :ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض .مقالٌ رائعٌ يدعو إلى التأمل واخذ العبر .جزاك الله خيراً

إشترك في قائمتنا البريدية