إقلاع بلا هبوط.. وجيل لن يفك الخط!

حجم الخط
2

في كل مرة يحتدم فيها النقاش حول ما سمي بالربيع العربي وحجم التفاعل الزمني المتوقع أن يأخذه هذا الربيع قبل أن تستقر الأمور في دوله، وما يصاحبه هذا الأمر من انعدام حقيقي للاستقرار المتوقع، يقفز المتحمسون ليصدوا حديث المتشائمين باستحضار نماذج تاريخية لثورات عدة استنفدت معها البشرية وبعد حدوثها وقتا طويلة لتوفير الاستقرار لشعوبها، فتساق الأمثلة من الصين وحتى فرنسا ومن كوريا حتى فنزويلا.
وبين المتحمس والمتشائم تتسع دائرة التجهيل في عالمنا العـــــربي، ليس بفعل قرار معلن وإنما في ظل التطـــورات الميدانية وانهيار أحياء كاملة، بما فيها المدارس والمعاهد والجامعات، أو تأثر الأخيرة بالمعارك القائمة، الأمر الذي يضطر المدنيين الغلابى للبحث عن ملاجئ عدة، منها المؤسسات التعليمية وتحديدا المدارس.
فالمدرسة التي لم تهدم بفعل الاقتتال باتت المنزل الجديد للمدنيين الفارين من جحيم الموت، وهذا أمر لا يلومهم أحد عليه، خاصة بعدما نكبوا جراء استمرار النزاع المسلح.
ولو استطعنا ان نحصر عدد المدارس التي عانت من الهدم أو التعطيل فإننا سنجد أنفسنا أمام واقع مر ينتظر عالمنا العربي في الدول التي غاب ويغيب عنها تعليم الأطفال أو البيئة الآمنة لدوامهم في مدارسهم. فلو أخذنا إحدى دول الربيع العربي على سبيل المثال لوجدنا أن عدد المدارس المهدمة أو غير الصالحة للاستعمال الآدمي اليومي قد وصل إلى حاجز الأربعة آلاف مدرسة، مما يعني أن آلافاً مؤلفة من الأطفال لم تعد ترتاد المدارس بعدما تقطعت بهم السبل والأوصال وبذلك يقعون فريسة الجهل والتخلف.
الربيع العربي ونتاجاته إذا كالطائرة التي أقلعت لكنها لا تعرف أين تهبط وكالقطار الذي انطلق من محطته فاكتشف في مرحلة ما بأن السكة قد اختفت. وعليه فإن التعليم وغيره سيكون أهم ضحايا استمرار التفاعلات الميدانية وغياب الرؤية الزمنية لحسم الصراع الداخلي والشروع بترتيب مكونات الحياة الاعتيادية بما فيها انتظام التدريس. ولو راجعنا مسيرة الدول العربية التي شهدت تغيراً في أنظمة الحكم حتى تاريخه لوجدنا أن انعدام التوازن ما زال سيد الموقف بما فيها استمرار التفجيرات والاقتحامات والاشتباكات هنا وهناك وحتى احتماليات التفكك والتقسيم الجغرافي.
هذا الحال غالباً ما يدخل المسيرة التربوية في مرحلة استنزاف معنوي وتعليمي يودي باستقرارها وتطورها وأفق الإبداع والتطوير فيها.
لذا فإن استمرار الاقتتال والصراع السياسي وغياب الأمن والأمان سيشكل المنصة المحزنة لممارسة التجهيل لأمة كاملة بصورة تدفع نحو ولادة جيل لن يعرف كيف يفك الخط.. فكيف له يا ترى أن يبدع ويتطور؟

‘ كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مريم:

    السلام عليكم يادكتور : اشكرك على مقالك الرائع وأقول :
    لقد جاء الربيع العربي ولكن للاسف لم يزهر ولم يحقق شئ من الامال التي كان ينتظرها الكثيرون ، وعليه يجب ان ننتظر ربيع اخر لعله يزهر ونجني من ورائه المحصول الذي يحقق لنا الخير . فهل ياترى سيطل علينا الربيع الحقيقي ليفتح امامنا بوابات الامل والتغيير الايجابي لننعم بمستقبلٍ زاهر في كل المجالات الحياتية !!!!
    مريم

  2. يقول ابو يوسف - كندا:

    صحيح كلامك دكتور بس لو في طيار جيد كان رح يهبط بسلام ولكن للأسف حتي مساعد طيار ما في عالطيارة

إشترك في قائمتنا البريدية