بين الحرص الزائد والحرص الزائف!

حجم الخط
0

بين الحرص الزائد والحرص الزائف!

زهير اندراوسبين الحرص الزائد والحرص الزائف! فَلْنُسَمِّ الأمور بمسمياتها الحقيقية: الاحتلال هو احتلال والمقاومة هي مقاومة، ولا توجد حلول وسط في هذه القضية، وبطبيعة الحال لا نملك الحلول السحرية لطرحها علي إخوتنا في الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل التوتر الذي يعصف بالساحة الفلسطينية. التصعيد في الخلاف بين حماس وفتح وصل إلي نقطة اللاعودة، ولا نعتقد أننا نبالغ إذا جزمنا وقلنا بصريح العبارة أننا بصدد حرب أهلية بين ابناء الشعب الواحد، الذين يئنون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. الحرص الزائد علي الوحدة الوطنية تحول بقدرة قادر إلي حرص زائف عليها، وبالتالي فان ما جري ويجري في غزة من اقتتال داخلي هو تحصيل حاصل، فعندما يطلق ابن الشهيد النار علي ابن الشهيد الآخر، وعندما تفتح النيران من قبل الاخوة الأعداء، نكون بذلك قد قدمنا لإسرائيل ولعدد من الدول العربية المعتدلة، حسب التصنيف الأمريكي الجديد، ولجميع أعداء شعبنا، وهم بالمناسبة كثر، خدمة كبيرة لمواصلة الادعاء بأنه لا يوجد شريك للسلام في الطرف الفلسطيني. تنازلنا عن المقاومة المشروعة حسب القوانين والمواثيق الدولية لكل شعب يقع تحت الاحتلال، واخترنا المسار التفاوضي، ولكن في المحصلة العامة خسرنا المقاومة وهزمنا السلام المزعوم، وانتكسنا في اللحظة التي تحولت فيها شوارع غزة إلي ساحة للمعارك بين الفلسطيني والفلسطيني، وعندما تراق قطرة دم فلسطينية واحدة بنيران فلسطينية، مستوردة أو مصنعة محلياً، فإننا نكون بذلك، من حيث ندري أو لا ندري، قد اجتزنا جميع الخطوط الحمراء، وبتنا نلعب في إطار الخطة المرسومة مسبقاً، من قبل الاحتلال وعدد من العناصر المتنفذة والمستوزرة في السلطة الفلسطينية. الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده ليس حقل تجارب لهذا الفصيل أو ذاك، فهو شعب تواق للحرية، علّم الآخرين دروساً في المقاومة وفي الديمقراطية، وها هو الآن يعاني الأمرين من ممارسات الاحتلال القمعية، ومن الحصار المفروض عليه من قبل إسرائيل وأمريكا وأوروبا والدول العربية، لأنه عندما قرر التصويت في الانتخابات التشــــريعية في شباط (فبراير) المنصرم، صدق أكذوبة الديمقراطية الأمريكية المزعومة. الديمــــقراطية الأمريكية، أيها السادة، تكون مقبـــولة عندما تفرز قادة علي شاكلة حميد كارزاي في أفغانستان، أو نوري المالكي في العراق المحتل، وتصبح مرفوضة عالمياً عندما توصل إلي السلطة رجالاً من حركة حماس الإرهابية ! لا ندري ما هو سبب الصراع، او علي ماذا؟ الفلسطينيون وقعوا في الفخ وصدقوا أن لهم سلطة وطنية تقرر وتحكم، ولكن في المحصلة العامة لا يوجد شيء من هذا القبيل، الصراع برأينا هو صراع وهمي علي سلطة سراب، وجميع الحلول المقترحة للخروج من هذه الأزمة مصيرها الفشل. فإقامة حكومة وحدة وطنية بين حماس وفتح هي ضرب من الخيال، لان الكراهية غير المبررة بين الطرفين وصلت إلي حد لا يطاق، مضافاً إلي ذلك أن الإدارة الأمريكية المعادية لشعبنا لن توافق علي الاعتراف بحماس ضمن هذه الحكومة، أي أن كل من فرض الحصار علي شعبنا من الغرب والعرب، لن يوافق علي ضم حماس إلي الحكومة والتعامل معها من الباب الخلفي.من ناحية أخري، فان الاقتراح القاضي بحل الحكومة من قبل رئيس السلطة محمود عباس، وتعيين حكومة تكنوقراط بديلة سيدفع باتجاه الحرب الأهلية، وستقوم إسرائيل كما فعلت في الماضي بالعمل علي تصعيدها، فاغتيال هنا واغتيال هناك واتهام الفصائل بذلك، سيشعل الحرب الفلسطينية ـ الفلسطينية، كما تشتعل النار في الهشيم.أما فيما يتعلق بالإعلان عن انتخابات جديدة، كما اقترح الرئيس المصري حسني مبارك، فهو حل سيكلف شعبنا الكثير من الدم وستتحول الشوارع إلي ساحات قتال بين فتح وحماس. وفي هذا السياق علينا أن نتذكر بان الانتخابات هي من إفرازات اتفاق أوسلو، الذي ترفضه حماس، وبالتالي لا يمكن التغاضي عن انتهازية حماس في هذه القضية، من ناحية نريد السلطة التي أنتجها أوسلو، ومن الناحية الأخري نرفض الاعتراف بإسرائيل، ونحن نميل إلي الترجيح بان قادة حماس درسوا هذه المسألة وعليهم أن يفسروا لأبناء شعبنا هذا التناقض الجوهري في الموقف المبدئي للحركة.هذا الأمر لا يعفي حركة فتح من تحمل المسؤولية الكبري التي زجتنا في هذه الحالة المستعصية. قلناها ورددناها، وها نحن نعلنها مرة أخري علي الملأ: حركة فتح وتحديداً الديناصورات التي تتحكم في القرار، غير مستعدة لتذويت فقدانها السلطة، لأن هذه الحركة، استفردت علي مدار أكثر من أربعين عاما بالقرار الفلسطيني، وفقدت السلطة بسبب الفساد المستشري، ومنذ فوز حماس في الانتخابات لا تألو جهداً في التآمر علي حماس، وتعمل علي ضربها بكل الطرق والوسائل، لكنها تتناسي في نفس الوقت أنها حركة مشرذمة تشهد خلافات عميقة بين الحرس القديم والجديد، وحتي إذا عادت إلي السلطة، فإنها لن تحقق السلام المنشود مع إسرائيل، لأنها عاجزة عن تحقيق السلام بين كوادرها، ولان الحكومة الإسرائيلية غير معنية بالمرة بالتوصل إلي اتفاق سلام ينهي الصراع الدموي بين الشعبين.حسب كل الدلائل والمؤشرات فإننا مقبلون علي حرب أهلية في الأراضي المحتلة، وعليه فان الجانبين يتحملان مسؤولية هذه الحرب وتبعاتها وتداعياتها وإرهاصاتها، وتراشق الاتهامات لن يجدي نفعا. لا نعتقد أننا مخولون بإسداء النصائح إلي القيادة الفلسطينية، أي إلي سلطة عباس وحكومة حماس، ومع ذلك نري أن الحل الأمثل لقطع الطريق علي الحرب الأهلية هو الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية. تخيلوا لو عقد عباس وهنية مؤتمراً صحافياً مشتركاً وأعلنا خلاله عن حل السلطة الوهمية، عندها سترتبك أمريكا وإسرائيل والدول العربية المتآمرة والمتواطئة، وبما أن إسرائيل هي دولة محتلة فإنها ملزمة بإدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة.رئيس تحرير صحيفة كل العرب الصادرة في الناصرة8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية