Sorryكوندي

حجم الخط
0

Sorryكوندي

هشام نفاع Sorryكونديالسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس،تحيّة معتدلة حدّ التطرّف وبعد،من المحتمل أنك أصبتِ بالإرهاق فيما أنت تتنقلين من قصر اعتدال عربي الي آخر. جُبتِ عواصم ومحطات عربية كثيرة خلال تشريفك الأخير الي منطقتنا. لكن من قال إن الاعتدال غير متعب هو الآخر، أحيانًا أكثر من التطرّف نفسه؟ التطرّف واضح في عرفكم: من ليس معنا فهو ضدنا ، أما الاعتدال فهو مصيبة قائمة بحد ذاتها. لا أعرف إن كنتم قد تمعّنتم فيه بما يكفي هناك، في بيتكم الأبيض.رغم أن مصطلح الاعتدال يوحي بالحياد، لأنه يبدو وسطيّا لا موقف له، إلا أنه بحكم تعريفه مصطلح منحاز من أساسه. صحيح أن الأشياء تتألف من أطراف، وهي ما يمثل الاختلاف والتقاطب أحيانًا، إلا أن النقطة الوسطي بينها هي موقف أيضًا. هي بالضبط ما يسمي بالاعتدال، أي نقطة الصفر التي لا تميل لصالح أحد. لا لهون ولا لهون . ولكن حتي نقطة الاعتدال يجب أن تُقاس بكونها اعتدالا بالنسبة لشيء ما.مثلا، الجو المعتدل هو الذي لا يميل الي الحرّ القاتل ولا الي البرد القارص. هو بين هذا وذاك. ومثله أن يكون البحر متوسط ارتفاع الموج كما تقول الأخبار. ليس ساكنا كالمسطرة ولا هائجا كالإعصار.في السياسة تعوّدنا علي استعمال مفهوم الاعتدال كنقيض للتطرّف. فيه نوع من القبول بإمكانية التسويات والتفاهمات والابتعاد عن التعصّب والتزمّت. فيه أيضًا نوع من الاعتراف المسبق بإمكانية الخطأ وليس الإيمان بامتلاك الحقيقة المطلقة الغيبية (الغبيّة) التي لا تتزحزح. بمعني ما، هو اعتراف بالمحدودية الذاتية، ورفضٌ لادعاء اليقين الذي لا يحتمل التبديل. خلاصة الكلام أن الاعتدال صفة محمودة في عالم التعاطي مع الآخرين.بقينا نفكّر بهذه الطريقة، حتي جاءنا نظام الرجل شديد الذكاء جورج بوش. رئيسك يا كوندي. فانقلبت المسائل. صرنا بحاجة الي ترميم استرجاعي للمفاهيم كي نتعايش مع فلسفتكم كاملة الدسم.أوفدوك الي شرقنا الأوسط، كي تباشري ببناء حلف المعتدلين. يبدو الأمر مشجّعا لمن لا يعرفكم للوهلة الأولي. لمن يعيش علي القمر أو المرّيخ مثلاً. كم نحن بحاجة للاعتدال هنا، يا سيدة رايس. كم نحن متعطشون له في وجه التطرّف العدائي العسكري الاسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني. كم نحتاجه في وجه سيطرة أنظمة النفط والقمع بالحديد والنار علي الشعوب العربية. كم اشتقنا لحفنة قليلة من الاعتدال في ظلّ التقاطب الاجتماعي الاقتصادي الذي يضرب مجتمعاتنا العربية بالفقر وبالتالي بالاحباط والجهل ومن ثم التعصّب. لكن كالمتوقع، فإن وعود الاعتدال خابت قبل أن يحطّ طائرك الميمون في نواحينا. رأي الناس هنا أنك أُصبتِ بنوع من الاختلال، من غير شرّ.. وقفتِ منذ البداية في صف كافة مسببات الاختلال: مع الاحتلال الاسرائيلي، ومع نظام القمع العربي الرسمي، ومع نهج الاقتصاد المعادي للشرائح الفقيرة. لا بل أنك بزّيتينا جميعًا حين أطلقتِ علي كل هذا الاختلال إسم: اعتدال.يبدو أن صدام الحضارات علي أشدّه. الاعتدال لديكم هو صفة رفيعة تُمنح لكل من اقترب أكثر من مشاريعكم. كلما ازدادت شبهة العمالة لأحلامكم يا كوندي، يزداد الشخص اعتدالا. ونحن اعتلالاً. وأنتم اختلالاً.حتي الآن لم نفهم عليك يا كوندي ولا علي جورجي.. جورجي هو أبيض من النوع الغبي، وهذه حقيقة معروفة. لا غرابة في أن لا يفهم تبعات ما يفعل. لكنك أنت تحملين لقب بروفيسور، وإبنة أقلية مقموعة، فما الذي يجعلك تنافسين مرسليك علي الغباء؟ يكاد هذا الكلام يصير شخصيًا، لذلك من الأفضل التوقف عنه. فالسياسة ليست شخصية. بل هي أبعد ما يكون عنها. لأنها تتألف من مصالح متشابكة. استنادًا للمصالح يمكن جعل الثور دجاجة، والتفاحة بطيخة، والقمع عدلا، والاختلال الأخلاقي اعتدالا، طالما أن هناك أداة القوة. هي ما يسمح بالتطوّر العجيب في سياساتكم الرشيدة في واشنطن، من برنامج نشر الديمقراطية، وحتي رعاية معتدلين من كافة أصناف الدكتاتوريات العربية: الملكية الخليجية النفطية والرئاسية القمعية وحتي الجماهيرية التائبة التي كانت في العرف الأمريكي حتي الأمس إرهابية. أنتم في واشنطن تطوّرون سياستكم بسرعة يصعب علي عقولنا الشرقية استيعاب مداها.نعلم أن مخكم يا كوندي لا يتسع لفكرة وجود عقل عربي نقدي قادر علي الاستيعاب. نعرف هذا. ولكن من حقنا أن نطالبك بأكاذيب متقنة علي الأقل. أكذبي علينا كوندي، بس لا تستهبلينا .. ثم إن ثقافتنا الشعبية المتسامحة الساخرة تعترف بهذا. ألسنا القائلين: كذب مرستق ولا صدق مجعلك ؟ بمقدورنا تحمّل مجافاة الصدق، لفترة، فللضرورة أحكام. بوسعنا امتصاص بعض الكذب المرتّب، فلا ضرورة للإفصاح عن كل شيء. نحن نتفهم الضرورات السياسية. ربما لأننا أصبنا من التخمة لشدة الاهتمام السياسي بنا. ولكن أن يكون الكذب أخرق وغبيًا ونتنًا الي هذه الدرجة يا كوندي، فهو والله أمر مبالغ فيه. كثير هيك. مع كل نوايانا الحسنة واعتدالنا، لا يمكن أن نرقص علي أنغام استهبالنا. حاولنا كثيرا تصديق دوافعكم الاعتدالية، لكننا التفتنا الي العراق فوجدناه يحترق بنيرانكم الديمقراطية، ونظرنا الي فلسطين فوجدناها محاصرة تتعرض للاغتيال ببنادق ودبابات من إنتاجكم وبأيدي خدّامكم. ولبنان، هل تذكرين لبنان؟ نحاول الاعتدال لكنكم تفشلوننا.. صعب علينا أن نصدق كلامكم، والله صعب.. Sorry كوندي.ہ كاتب من فلسطين8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية