السيسي يقول إن مصر قد تحتاج لشرب الدواء المر فهل المصريون مستعدون؟ وساعات عمل المصريين تقلصت الى 13 دقيقة في اليوم

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ أخيراً نشرت الصحف الصادرة يومي السبت والأحد، النتائج النهائية من جانب اللجنة العليا للانتخابات، وكانت مشاركة عشرين مليون ونصف مليون في التصويت بنسبة ثمانية وثلاثين في المئة، ممن لهم حق التصويت، ووصل عدد الذين قالوا نعم تسعة عشر مليونا وثمانية وثمانين ألفا بنسبة ثمانية وتسعين وواحد من عشرة في المئة، أي أن عدد من شاركوا في التصويت أكثر من الذين شاركوا في التصويت على دستور الإخوان بأكثر من ثلاثة ملايين، ومن وافقوا عليه كانوا ضعف من وافقوا للإخوان. أيضاً نجحت الجمعية العمومية الطارئة لنقابة المهندسين في الاكتمال وسحبت الثقة من النقيب الإخواني ومجلس إدارتها، وستجرى الانتخابات خلال ثلاثة اشهر لاختيار نقيب ومجلس جديد. ونشرت الصحف كذلك قرار رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي بتجميد قرار وزير الرياضة طاهر أبوزيد حل مجلس إدارة النادي الأهلي، والتحقيق في المخالفات المالية، حتى يمكن دراسة جوانبه القانونية، واستمرار تحذير الإخوان من الإقدام على أي عمل إرهابي لتخريب الاحتفالات بالذكرى الثالثة لثورة يناير. وواصلت قوات الجيش والشرطة عملياتها في شمال سيناء وقتلت أربعة إرهابيين. وهناك حالة ترقب لخطاب رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور الذي سيوضح فيه، قراره بأيهما سيتم أولا، انتخاب رئيس الجمهورية أم انتخابات مجلس الأمة، وهناك حالة من البلبلة بين الأحزاب والقوى السياسية في رسم خططها لخوض الانتخابات، ومن سيتحالف مع من.
وإلى بعض مما عندنا:

إعلام الانقلاب يفتقد الحرفية

ونبدأ من جريدة ‘الشعب’ ورئيس تحريرها مجدي حسين وهويقول بالنص:
‘اكتب هذه السطور في وقت لم تعلن أرقام رسمية لاستفتاء الدستور، ونسبة الحضور الحقيقية لا ترتفع أكثر من ثمانية في المئة، وإذا تم خصم من يسمون بالمغتربين الذين يصوتون في كل مكان وعدة مرات حسب التسعيرة، فان نسبة الحضور القانونية والحقيقية تدور حول اثنين وثلاثة في المئة، والذين ذهبوا هم عناصر الحزب الوطني، بمن فيهم لصوص رجال الأعمال وعبيدهم، والذين يصوتون بأجر والخاضعون لتعليمات الكنيسة من المسيحيين، وأعضاء جبهة الإنقاذ، وهؤلاء لا يشكلون اكثر من صندوق أواثنين، أي ان الذين ذهبوا نحواثنين الى ثلاثة ملايين، وهذا عدد كاف جدا للتصوير التلفزيوني على مسطح الوطن. وكان الفتور هوسيد الموقف في معسكر الانقلابيين فهم أقرب الى اليأس منهم الى الرجاء في نجاح الانقلاب.
وإعلام الانقلاب الذي طالما اعترفنا له بالحرفية، كان هذه المرة بدون أي حرفية، بل بالأكاذيب فحسب بدون أية مهارة في إخفائها، فامتلأ فضاء فيسبوك بفضائحهم.. وانفض أغلب الناس من حولها وتكتلوا في فيسبوك، أوأمام القنوات القليلة المؤيدة للشرعية، فالمعركة لم تعد قاصرة على التيار الإسلامي، فتزايد الشرفاء والوطنيون من الأطياف والاتجاهات كافة، مسيحيين وناصريين وقوميين ويساريين وليبراليين وشرفاء شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير، سنموت ونحن نحمل رايات الحرية التي أودعها الله في عقولنا وأفئدتنا وستكمل صفوف أخرى من بيننا، نحن الذين نحاصركم بالحق، سنصبر على الموت حتى نجد وحدة من الفرسان تنضم الى الشعب لاقتحام الباستيل، كما حدث في الثورة الفرنسية، وسنصبر على الموت حتى تنضم إلينا كتيبة أواثنتان من الجيش، وتذهب لإلقاء القبض على المجلس العسكري، كما حدث في ثورة إيران، وسنصبر على الموت حتى نجد سوار الذهب السوداني قائدا للجيش يسلم الحكم إلى المدنيين بانتخابات نزيهة، وسنصبر على الموت حتى يقوم عمر مكرم بإقناع بعض القوات بمحاصرة القلعة التي يعيش فيها الوالي العثماني، خورشيد أوالبرديسي، سنصبر حتى ينضم الجيش المصري الى الشعب بحق وحقيقة كما فعل الجيش الروسي ضد القيصر، ولكننا لن نعطي الدنية في ديننا، سنحيا مرفوعي الرأس حتى ونحن تحت أعواد المشانق، نحن تحركنا الأشواق الى الله، وهي نعمة لم تعرفوها ولن تعرفوها، لأنكم قد طبع الله على قلوبكم وسمعكم وعلى ابصاركم غشاوة، ونحن لا نسأل الله إلا خلوص النية له وحده، ونسأل السداد، ان الانقلابيين استعاونوا بكل قوة الشر…
لابد أن نقتلع وكر الجواسيس، السفارة الأمريكية هذه القلعة الحصينة المشيدة بالصلب الذي يستخدم في تصنيع الدبابات، وتحميها قوات المارينز وبها مطار في أعلى السطح… أخرجوا من بيوتكم يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير، اسألوا الله النصر، لا تعودوا إلا منتصرين، وإلا فلنذهب جميعاً إلى مقابر الغفير أوالإمام الشافعي محفوفين بالملائكة، وكل هذه الدنيا لا تساوي جناح بعوضة بالمعنى العلمي والواقعي للكلمة، واقسم بالله العظيم ان إخواني يمنعونني من تقدم المظاهرات التي تتعرض للرصاص بحجة انني أقوم بمظاهرة ضخمة في صحيفة الشعب…’.

احفظوها: إن مصر إن تضع
ضاع في الدنيا تراث المسلمين

وإلى المعارك المتواصلة بين الإخوان وحزب النور السلفي، وجمعية الدعوة الإسلامية التي انطلق منها، فقامت جريدة ‘الفتح’ لسان حال الجمعية يوم الجمعة بنشر مقال كتبه الكاتب ايهاب شاهين، عنوان مقاله كان ‘لماذا فشل الإخوان المسلمون’ جاء فيه:
‘كان من شعار الجماعة القرآن دستورنا، إشارة للتطلع الى تطبيق الشريعة، وبعد صراعات مضنية مع نظام مبارك قامت ثورة 25 يناير وكان الامتحان من الله عز وجل للجماعة إن ولوا سدة الحكم الذي طالما كان حلماً في حس أعضائها وانه سيحقق كل امل منشود وكل شعار مرفوع، لكن سرعان مازال هذا الحلم في غضون سنة كاملة فكان لابد من إلقاء الضوء على بعض الاسباب التي أدت الى هذا السقوط السريع، أولا: عدم شكر النعمة بنصرة وتطبيق الشريعة، فالوصول للحكم والتمكين وسيلة بها نعيد الأرض لله تعالى ونطبق الشرع قال تعالى: ‘الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور’، فلم نجد في تلك السنة التي تولى فيها الإخوان الحكم نصرة قضية من قضايا الشريعة، بداية من اللجنة التأسيسية والموافقة على كلمة ‘المبادئ’ بدلا من ‘الأحكام’ مروراً بمنح تصاريح المراقص والخمارات لمدة ثلاث سنوات بعدما كانت تمنح لسنة واحدة، وأقيمت حفلات برعاية الحزب الحاكم ،أحيتها مغنيات الفيديوكليب، كما تدخل الرئيس في خصومة بين شيخ وفنانة لصالح الأخيرة، والموقف من قضية الضباط الملتحين وانتهاء بالموقف من الشيعة وقانون نقابة الدعاة ووثيقة ‘سيداو’ وصندوق النقد الدولي وغيرها مما يندى له الجبين، البعض قد يقول هناك دول كثيرة تفعل ذلك ولم تسقط، الفارق الأساسي أن الجماعة تولت وتكلمت باسم الدين. ثانيا: ضيق الأفق في مفهوم الدولة، حيث نظرت الجماعة الى إدارة الدولة على أنها إدارة جماعة أودعوة، وفرق كبير بين إدارة الدولة وإدارة الجماعة، فالأمر إدارة دولة بحجم مصر تتميز بموقعها الجغرافي وثرواتها التي ينظر اليها الأعداء بطمع ويريدون السيطرة عليها، فضلا عن دور مصر الرائد في قيادة المنطقة العربية والإسلامية، بل والعالم كله عندما تنهض، فأعداء الداخل والخارج يقفون بالمرصاد، فإذا غابت حكمة القيادة عمن يتولى حكمها ضاعت وخلفت وراءها خسائر فادحة كما قال الشاعر أحمد محرم:

احفظوها ان مصر ان تضع
ضاع في الدنيا تراث المسلمين’.
الإسلام خير كله ومصلحة كله

وما ان انتهى ايهاب حتى تقدم صاحبنا في ‘الفتح’ علي حاتم قائلا:
‘أتمنى أن يفهم أبناء الشعب المصري أن مصلحة مصر، خصوصاً هذه الأيام بالتحديد هي فوق كل المصالح، فمصر تحتاج الى الاستقرار والأمن حتى تبدأ مرحلة الانطلاق والبناء وبذل الجهد في سبيل الأخذ بيدها إلى الأمام، أتمنى أن يعرف أبناء مصر انه ‘لا تعارض’ بين حب مصر وبين حب الدين وحب الإسلام، فحب مصر يعني الحرص عليها وعلى أبنائها وعلى ممتلكاتها العامة وعلى ممتلكات أبنائها وعلى أمنها واستقرارها وعلى تقدمها للأمام، وهذا كله من الإسلام فالإسلام خير كله ومصلحة كله، الإسلام لا يعرف قتل الابرياء وسفك دمائهم، الإسلام لا يعرف التخريب والتدمير والحرق وإتلاف المال العام والخاص، الإسلام لا يعرف ترويع الآمنين، فإذا بحث الإنسان عن معنى الإفساد في الأرض الذي نهى الله عنه في قوله عز وجل: ‘ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وغير ذلك من الآيات والأحاديث لن يجد اكثر مما يحدث على أرض مصر الآن، أتعجب من العناد والتعنت والكبر والغرور الذي أصاب طائفة من أبناء مصر وأصبحوا ينظرون الى الأمور من ثقب ضيق للغاية، الأيام تمر وكل العقلاء في مصر يقولون لعلهم يرجعون الى الصواب، لعلهم يصححون الأوضاع، لعلهم ينصرون الحق، لعلهم يعيدون الحسابات، لعلهم يعودون الى أحضان بلدهم وينخرطون في صفوف أبنائها، لكن للأسف حتى الآن العناد مستمر والحسابات الخاطئة تكاد تعصف بهم فأين العقلاء منهم؟ أين الذين تعلموا دين الله عز وجل فيزداد حرصهم على الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتحمل المفاسد الأقل من أجل تفويت ودفع المفاسد الأعلى. أتمنى أن يزداد حرصهم على القياس الدقيق للقدرات لقدراتهم وقدرات غيرهم،
التي بالتأكيد سوف توصلهم إلى اتخاذ القرارات الصائبة التي تؤدي في النهاية الى حفظ أبنائها وإلى حفظ بلدهم وإلى حفظ شعبها الكريم العريق، والله المستعان’.

السيسي: علينا اقتسام اللقمة
من أجل أن نوجد مأوى للمشردين

وننتقل الآن الى صحيفة ‘المصريون’ لنقرأ مقال رئيس تحريرها جمال سلطان عن رسائل السيسي الخطيرة بين السطور، يقول:’ لم يترك الفريق عبد الفتاح السيسي أي فرصة للحديث مع الجمهور العام إلا وأرسل رسائل ضمنية بين السطور لم يتوقف عندها كثير من الناس الحالمين بمستقبل أفضل للبلد، والحقيقة أن أحداث الستة أشهر التي سبقت الإطاحة بمرسي ولقاءات قائد الجيش مع مثقفين أوفنانين أوسياسيين، كشفت عن دهاء لافت للسيسي في توصيل رسائل بين السطور، فهمها من فهمها وغفل عنها من غفل، وفي الآونة الأخيرة ومع ازدياد المطالبات له بالترشح لرئاسة الجمهورية التي وصل الهوس فيها والجنون إلى حد الدعوة لتنصيبه رئيسا بدون انتخابات ولا ترشيحات، قال الفريق السيسي ان هذا الموقف له ضريبة، هل تتحملونها، أشار إلى ما تعانيه البلاد في اقتصادها، وأنها قد تحتاج لشرب الدواء المر، فهل أنتم مستعدون، وقال انها ستحتاج إلى أن نقتسم اللقمة من أجل أن نوجد مأوى للمشردين، فهل أنتم مستعدون، الرسائل شديدة الخطورة وعميقة الدلالة، ويمكن أن تعطي اختزالا كاملا للبرنامج السياسي الذي سيعمل وفقه الفريق السيسي إذا أتى رئيسا للبلاد، وهوالأمر الذي أصبح مرجحا الآن، وأستطيع أن أحدد معالم خطوات السيسي في عامه الأول بثلاثة محاور، على سبيل القطع، المحور الأول هوفرض حالة تقشف اقتصادي حادة مع رفع الدعم عن الوقود بصورة متسارعة لردم الهوة السحيقة في ميزان المدفوعات، وقد يفاجئ الناس خلال عام واحد بأن سعر لتر البنزين 92 وصل إلى ستة جنيهات، وسعر لتر السولار وصل إلى ثلاثة جنيهات، بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات في ارتفاع الأسعار على جميع السلع. المحور الثاني وهومحور تقليدي للنظم العسكرية أوشبه العسكرية عندما تدشن عهدها، وهوشن حملة ملاحقات واسعة النطاق على منظومة الفساد في الدولة والاقتصاد وعالم رجال الأعمال، هوهنا لا يحتاج كثير جهد، فالخريطة واضحة لديه وضوح الشمس، خاصة بعد الخضات التي أحدثتها ثورة يناير وكشفت بها المستور، إضافة إلى أنه كان يرى أحشاء الدولة وخريطة فسادها على مدار عدة سنوات من أعلى نقطة ملاحظة في أعلى مؤسسة أمنية في الدولة وأكثرها نفوذا وخطرا، المخابرات الحربية، وهذه الحملة ستكون مدفوعة بأمرين، صناعة شعبية سياسية جديدة بوصفه مطاردا للفساد، والاستفادة من ملاحقة الفساد في تصحيح جوانب من الخلل في اقتصاد الدولة وأموالها. والمحور الثالث وهوالتوسع في النظام الضريبي الحالي ورفضه بصرامة مع تغليظ العقوبات، لأن الهدر في هذا القطاع يعادل عشرة أضعاف ما يتم تحصيله بالفعل، ويكفي أن شخصا بحجم المهندس نجيب ساويرس ظل متهربا من الضرائب سنوات طويلة بدون أن يمسه أحد، حتى حاصره نظام مرسي وأجبره على تسوية موقفه الضريبي مقابل سبعة مليارات جنيه دفع منها نصف مليار، ثم توقف تماما بعد سقوط مرسي .
المعضلة الاقتصادية التي سيواجهها السيسي سيضاف إليها تجفيف في موارد الدعم الخليجي تدريجيا ، والتضييق عليها وخنقها بشروط ومراقبات صارمة، لأن هناك في الخليج من لا يريد له أن يستمر، وسيتوقف الأمر على البدائل الإقليمية أوالدولية التي يمكنه التواصل معها لتغطية تقلص هذا المدد الخطير والضروري في المرحلة الأولى من حكمه، وهي بدائل محدودة وليست بهذا السخاء…. سيكون هناك أيضا تحد للعنف الصامت، أوغير الدموي، لأن ملايين المصريين الذين يشعرون بالتهميش والقهر والإحباط والقسوة الأمنية، ويعجزون عن مواجهة ذلك كله أولا ينزلون للشوارع والتظاهرات، سيفرغون شحنات الكراهية والغضب في تعاملهم مع الدولة ومؤسساتها ومصالحها، وهذه الملايين التي تنتشر في جميع شرايين الوطن ومصالحه وأجهزته ومؤسساته ووزاراته ومنظومته البيروقراطية يمكن أن يربكوا أي جهد تنموي مهما كانت عبقريته النظرية ومهما كان حجم الإنفاق عليه…
لا أعرف ، هل هذه الصورة حاضرة بشكل كاف عند الفريق السيسي ومجموعته، وهل هي حاضرة بشكل كاف عند من يحرضونه على مسار القطيعة والإقصاء والسياسة الأمنية والقضائية الباطشة، لا أعرف’ولكنني على يقين من أن مستقبل مصر القريب مفتوح على تحديات أكثر خطورة مما يقدر كثيرون، ومفتوح أيضا على مفاجآت كثيرة’ لن يكون بعضها سارا للفريق السيسي والحالمين بعصاه السحرية لتدشين دولة الأمن والرفاه والاستقرار’.

كلمة الحق صعبة مُرة وسيفٌ يذبح صاحبه

ونبقى في ‘المصريون’ ومع الكاتب محمد موافي في مقاله الذي عنونه بـ’جيل يرفضنا’ يقول: ‘هرمنا وما زلنا في عز عطائنا، ونمنا والدنيا في صباحها، وصار كل أملٍ يخيفنا كما هواجس الأيام، والأمل في الشباب، في جيل نبهنا إلى تنبهه ونباهته، جيل يرفض الهزيمة ويرفضنا، وأن اضرب بعصاك البحر والحجر، شرط أن تمتلك اليقين، فباليقين أنت منتصر لا محالة. وأما نحن فنشكو’إلى الله الزمان فدأبُه/عز العبيد وذلة الأحرارِ
ضن الزمان علينا بالفرح بأملنا في الصغار. الصغار يفاجئونك بالتحدي والفهم السليم، والعرب كانوا يرون حدة الشباب فاصلا وسيفا مسلطا بين الحق والباطل.
ونخاف على صغارنا، ونتساءل صامتين على أي ثوابت نربيهم، وقد ربتنا الثوابت وشيبتنا وألهبتنا وعذبتنا وقتلت منا من قتلت، وغيبت عنا أحبابا كانوا كالمسك ضوءا، وكالنور فيحا.
المشكلة أن بناتنا قلوبنا، وأولادنا أكبادنا، بل هم والله أغلى، والله هو الحارس والغالب والباقي والحسيب، وحسبنا أنا ما رضينا، حتى في سكوتنا كنا غير راضين، ويعلم الله أن بالمدينة أقواما قد حبسهم العذر. وحبسهم عشق التراب، والتراب صار إليه من نحبهم، تاركين فينا ثوابت راسيات، وجبالا تبتسم للسيول، فلا تحركها السيول، فلعل أملنا أن نكون راضين في قبورنا..
الأشرار ملأوا فيلمنا العربي، وكذبت افلامنا، فبالنهاية قد لا تتزوج بنت السلطان يونس الهلالي، وقد لا يعود أبوزيد من مغتربه….
أريد أن أقول، بعد لفٍ ودوران وتخريف وتحريف ومناورة ومداورة: إن الحق يعلو ولن يعلو على الحق ادعاء وزور، وإن خير ما تركنا لأبنائنا كلمة حق، وكلمة الحق صعبة مُرة مؤلمة موجعة، سيفٌ يذبح صاحبه وقد لا يذبح الخصوم، وسلوتنا أنه عند الله تجتمع الخصوم، فحتى نجتمع وخصومنا، صلوا على من به أقسم ربه، ولعمرك إنهم في سكرتهم يعمهون’.

مخاوف من عودة الوجوه
القديمة في نظام مبارك

وفي عدد امس الاحد من جريدة ‘الشروق’ يكتب لنا فهمي هويدي عن حزب الكنبة وحزب الثورة يقول: ‘تحفل وسائل الإعلام المصرية بالتعليقات والتحليلات التي تناولت نتائج الاستفتاء الذي أجري في 14 و15 كانون الثاني/يناير الحالي. لكن كثيرين لم ينتبهوا إلى أننا لم نكن بصدد استفتاء واحد، وإنما هما استفتاءان في حقيقة الأمر، الأول أعلنت نتائجه وكان محل الاحتفاء. أما الثاني فإن نتائجه لم تعلن، وما تسرب منها نسي أو تم تجاهله في أجواء الضجيج والصخب المخيم. التسريب الذي أعنيه أشار إلى أمرين، أولهما أن نسبة إقبال النساء على التصويت في الاستفتاء كانت عالية بشكل ملحوظ، حتى قدرها البعض بسبعين في المئة. الثاني أن نسبة الشبان المشاركين في التصويت كانت متواضعة بشكل ملحوظ أيضا، حيث كانت في حدود 16’ فقط. وإزاء تواتر الإشارة والحفاوة بارتفاع نسبة السيدات المشاركات في ما وصف بأنه انتصار لما سمي بحزب ‘الكنبة’ (الكلمة فرنسية وليس لها أصل فى العربية)، فلعلنا لا نبالغ إذا وصفنا تواضع نسبة الشبان المشاركين بأنه إحجام من قبل حزب الثورة.
سجلت’التفاوت في نسبة المشاركة صحيفة ‘الشروق’ أمس التي نسبت إلى مصدر قضائي في اللجنة العليا للانتخابات إشارته إلى عزوف الشباب، خاصة الفئة العمرية من 20 إلى 30 عاما عن المشاركة، في حين كانت المرأة هي الأكثر مشاركة. وذكرت صحيفة ‘المصري اليوم’ في أحد عناوين الصفحة الأولى على لسان بعض الوزراء قولهم: إن الشباب قاطعوا الاستفتاء بسبب الهجوم على 25 يناير. وأشارت إلى أن الموضوع نوقش في اجتماع مجلس الوزراء، وأن بعض الآراء التي ترددت ‘عبرت عن الشعور بالقلق من المقاطعة الجماعية التي ظهرت من جيل الشباب’، وفهمنا من التقرير المنشور أن بعض الوزراء أثاروا موضوع الهجوم في وسائل الإعلام على ثورة يناير، ومنهم من لفت الانتباه إلى المخاوف التي أثارتها عودة الوجوه القديمة في نظام مبارك وبدء ظهورها وتحركها في ظل الوضع المستجد. كذلك علمنا أن جهة سيادية (؟!) عقدت اجتماعا مع مسؤولي الفضائيات الخاصة ودعتهم إلى إيقاف حملات تشويه ثورة 25 يناير وشبابها. في الوقت الذي أثير الموضوع في الاجتماعات والدوائر المغلقة، فإن وسائل الإعلام المصرية لم تتعرض له بأي تعليق، ذلك أن كل تركيزها انصب على دلالات الاستفتاء في هزيمة الإخوان. سواء من خلال مقارنة نسبة الإقبال على التصويت أو نسبة المؤيدين، بكلام آخر فإن وسائل الإعلام عندنا اهتمت بالشماتة في هزيمة الإخوان، بأكثر من اهتمامها بمقاطعة شباب الثورة للاستفتاء. ولأن هزيمة الإخوان أمر يخص الجماعة في حين أن مقاطعة الشباب تمس قضية الثورة، فإنني أزعم أن الدلالة الأخيرة أهم وأخطر…
إحجام الشباب أو مقاطعتهم للانتخابات هو ما يستحق القلق لأنه يبعث برسالة قوية يتعين تسلمها، خصوصا أن هؤلاء هم الذين حملوا الثورة وأطلقوا أهدافها، وبوسعنا أن نقول ببساطة إن المطروح عليهم الآن لا يعبر عما حملوه أو تمنوه. وما نشر من آراء ترددت في مجلس الوزراء صحيح، سواء ما تعلق منه بهجوم بعض المنابر والرموز الإعلامية على ثورة 25 يناير مع تجريح أشخاصها والتشكيك في أهدافها، أو ما تعلق بعودة الوجوه الإعلامية وغير الإعلامية المنسوبة إلى نظام مبارك إلى الظهور في المجال العام، الأمر الذى أعاد إلى الأذهان صورة الماضي الكئيب. إلى غير ذلك من الأسباب والممارسات التي جعلت شباب الثورة يشعرون بأنهم غرباء ومنبوذون في الوضع الذي استجد بعد الثالث من تموز/يوليو…’.

موقف اليساريين والليبراليين
من دستوري 2012 و2013

وفي العدد نفسه من ‘الشروق’ يتناول الكاتب عمرو حمزاوي موضوع الاستفتاء على دستور 2014 يقول: ‘حين جاءت نسبة مشاركة الناخبات والناخبين في استفتاء دستور 2012 حول 33 بالمئة، سجلت قولا وكتابة أن مثل هذه النسبة المتدنية لا تعطي الدستور مساحة القبول الشعبي اللازمة لاعتباره وثيقة محل تراضٍ مجتمعي، وأن مشاركة لا تتجاوز حدود ثلث الهيئة الناخبة المصرية تنزع عن الدستور الطبيعة التوافقية. ولم أكن حينها الصوت الوحيد الذي سجل ذلك، بل تبنى هذا الرأي أيضا العدد الأكبر من السياسيين والكتاب والإعلاميين الذين كانوا في مواقع معارضة دستور 2012 وتحولوا اليوم إلى مدافعين شرسين عن الوثيقة الدستورية 2013 التي شارك في الاستفتاء عليها نسبة (وفقا للمعلومات المتاحة وقت كتابة هذه الأسطر) لم تتجاوز 38 بالمئة من الناخبات والناخبين.
ــ حين أقر دستور 2012 في الاستفتاء الشعبي، سجلت أن موافقة أغلبية الناخبات والناخبين الذين شاركوا في الاستفتاء على الدستور لا تغير من فساد نص دستوري لا يضمن حقوقنا وحرياتنا ولا يضع للدولة وللمجتمع وللمواطن ولعلاقاتهم بناء ديمقراطيا واضحا، ويضع المؤسسة العسكرية كدولة فوق الدولة ويفتح أبواب مصر أمام الفاشية الدينية. ولم أكن بكل تأكيد الصوت الوحيد المدافع عن هذه القناعة، التي أسست عليها مواصلة رفض دستور 2012 بعد الاستفتاء عليه، بل عبر عنها أيضا العدد الأكبر من السياسيين والكتاب والإعلاميين ذوي لافتات الدولة المدنية والليبرالية واليسار الديمقراطي، الذين تحولوا إلى المشاركة في صناعة وتأييد الوثيقة الدستورية 2013 التي تنتقص من حقوقنا وحرياتنا ولا تضع بناء ديمقراطيا للدولة ولعلاقاتها بالمجتمع وبالمواطن وتضع المؤسسة العسكرية كدولة فوق الدولة ولم تباعد فقط إلا بيننا وبين خطر تسلط الهيئات الدينية علينا. ليس فقط أن هذا العدد الأكبر من السياسيين والكتاب والإعلاميين ذوي لافتات الدولة المدنية والليبرالية واليسار الديمقراطي شارك في صناعة الوثيقة الدستورية والترويج لتأييدها، بل إنه يطالبنا اليوم بالصمت وبالكف عن رفض الدستور بعد أن استفتى عليه الشعب. فسبحان مغير الأحوال!’.

هل تضاعف الدولة الأجور لموظفين لا يعملون؟!

من هم السائرون نياما؟ هذا ما سنعرفه من مقال الكاتب عمرو خفاجي في العدد نفسه من ‘الشروق’:’ السائرون نياما، عنوان أشهر أعمال القاص الكبير سعد مكاوي الذي يتناول فيه أحداث الأعوام الثلاثين الأخيرة من حكم المماليك، ويعد هذا العمل، من الأعمال الرائدة في توظيف التراث للإسقاط على الواقع، وذات العنوان ‘السائرون نياما’ استخدمته مؤسسة غالوب الأمريكية، مؤخرا، في وصف أكثر من نصف العاملين في مصر، تعبيرا عن عدم مشاركتهم في العمل لا بالسلب ولا بالإيجاب، وهو توصيف بالغ الدلالة عن حقيقة الإنتاج في المؤسسات المصرية، والتقرير الذي أعدته غالوب (مؤسسة بحثية شهيرة وموثوق بنتائج أبحاثها) صادم في جميع أدلته ودلالاته، وربما كان توصيف ‘السائرون نياما’ هو الأخف في التقرير، فهو يعبر عن 55′ من العاملين في مصر، واستخدمت الوكالة الشهيرة هذا التعبير على اعتبار أن هؤلاء لا يفيدون مؤسساتهم لكنهم أيضا لا يضرونها، في مقابل 32′ يضرون مؤسساتهم بالفعل ويعطلونها عن العمل ويعوقون نموها وتطورها، أي ما يقرب من ثلث عدد العاملين ضار بالعمل، خصوصا إذا ما قارناه بالذين يساعدون على نمو مؤسساتهم، الذين لم تتجاوز نسبتهم 13′ فقط من إجمالي عدد العاملين.
هذه الأرقام تكشف ما ندور ونلف حوله منذ سنوات طويلة حول إنتاجية العامل المصري أو عمل الموظفين، وأذكر جيدا ان أحد الأجهزة الإحصائية في مصر كان قد أعلن عن أن متوسط عدد ساعات العمل للمواطن المصري لا تتجاوز 27 دقيقة في اليوم، وللأسف هناك من يقول الآن إنها تقلصت إلى 13 دقيقة فقط، ثم ها هي غالوب تخبرنا، أنهم لا يعملون أصلا، بل وثلثهم يعطل الذين يرغبون في العمل والإنتاج، وكل ذلك حقيقة من الحقائق التي نهرب منها دوما ونخشى من مواجهتها، والآن بعد رفع الحد الأدنى للأجور نكون أمام أزمة أخلاقية قبل ان تكون أزمة اقتصادية، فهل تضاعف الدولة الأجور لموظفين لا يعملون، هل تهدر الدولة مواردها هكذا من دون ضابط أو رابط، هل تساهم الدولة صراحة في إفشال موظفيها…
للأسف إن غالوب لم تكن تتحدث فقط عن الوظائف والأعمال الحكومية، لكنها تشير ايضا إلى القطاع الخاص، أي أنها تتحدث عن قيمة العمل في مصر، وأقل ما نستطيع أن نستخلصه من هذا التقرير أن قيمة عملنا مخزية وتجلب العار لأي شعب، فالشعوب التي لا تعمل لا يمكن لها أبدا أن تتطور أو أن تجد لها مكانا لائقا بين الأمم، أما المؤلم في الأمر، أن الثورة لم تدفع هذا الشعب للإمام، ولم تحفزه على استكمال ثورته بما يجب من تغيير القيم أو خلق قيم أو أخلاق جديدة تتماشى مع التغيير الذي أحدثته الثورة. هذا الوضع لا يمكن قبوله أو الموافقة عليه، ولابد من تغييره، ويجب أن تعمل الدولة على ذلك، وتتيح كافة فرص تمكين العاملين من تقديم خبراتهم ومهاراتهم، في ظل سياسة كاملة من الانضباط والثواب والعقاب وقبلها الأجر العادل، لأن استمرار ما يحدث، لا يعني سوى السير في اتجاه الهاوية بخطوات واثقة وكأننا جميعا نسير نياما’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية