السوريون بحاجة لعقد إجتماعي والمسيحيون في سوريا جزء من ‘الغالبية الصامتة’

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’ قال جهاد مقدسي، المتحدث السابق باسم الخارجية السورية في مقابلة له مع صحيفة ‘نيويورك تايمز’ إن الجميع متعب في سوريا، وأيقن كل طرف أنه لا ينتصر في الحرب الجارية. واعترف في أول مقابلة له أجريت في إحدى مقاهي دبي أنه لم يكن ليترك سوريا لو ضمن سلامة عائلته. وأشار إنه لا يتحدث كونه ابن طائفة مسيحية ولكنه يعبر عن مواقف من يسميهم ‘المركز- الوسط’ أو’الغالبية الصامتة’ التي أرادت التغيير ولكن تدريجيا وليس عبر الثورة المسلحة.
وأكد أنه لا يسعى للسلطة أو لموقع في الحكومة الإنتقالية التي قد تنتج عن المحادثات في مؤتمر جنيف-2 الذي سيبدأ جلساته هذا الإسبوع، ولكنه عبر عن حزنه رؤية بلاده وهي تتداعى، فالدمار والقتل يجعل الإنسان خجل من التفكير في ‘مجده الشخصي’.
وقال إن ما دفعه في المقام الأول للرحيل عن سوريا أو تركه وظيفته هو ‘الشعور بأنه لم يعد قادرا على تغيير أي شيء’.

شراء الوقت

ويرى أن جنيف هي عملية سياسية طويلة، والموافقة على الدخول فيها هي موافقة على ‘حفل الزفاف’ الذي يعني عملية تفاوض سياسي حاول كل طرف تجنبه ويريد فشله. ويعتقد أن مطالب السوريين مشروعة وأن ما تحتاجه سوريا اليوم هو ‘عقد إجتماعي’ ودستور قوي وحكم راشد.
وفي المقابلة التي تقول الصحيفة أنها استمرت لساعات قال مقدسي إن ما يحتاجه مؤتمر جنيف هو اعتراف متبادل بين الموالين للنظام والمعارضة ووقف إطلاق النار، مما يعني التخفيف من حدة القتل الطائفي.
وقال إن هناك خلافا في الرؤي حول الأزمة فالمعارضة تتبني موقف التنحي وتركز على الرئيس، فيما يتبنى الموالون للنظام مدخل ‘دعونا نتصدى للإرهاب’ وعلى خلاف هاتين النظرتين يدعو مؤتمر جنيف إلى حكومة إنتقالية وعملية إعادة تشكيل للدولة، وعليه فهناك ‘فيل مفقود’ في الغرفة، وعليه فمن مصلحة كل طرف فشل محادثات جنيف، ولا أحد في الحقيقة يحب جنيف، ‘لأنهم يعرفون أنهم بمشاركتهم في جنيف سيخسرون أمام جماهيرهم’.
وفي رده على سؤال إن كان المؤتمر الدولي سيفشل أجاب ‘لا’ ولكنه سيكون معيارا للأزمة السورية، وسيؤدي لبداية عملية سياسية طويلة لا يريدها أي سوري أو أي سياسي. فما يحتاجه السوريون هو وقف إطلاق النار قبل كل شيء ‘فطالما استمر القتال فلا حاجة لمنح الدبلوماسية مساحة بعد ثلاثة أعوام من استراتيجيات فاشلة اعتمدها كل طرف’.
وما يدفع الأطراف للذهاب إلى جنيف أو يعطي الإطار السياسي مساحة للنجاح هو شعور كل طرف بالتعب كما يقول مقدسي ‘الجميع متعبون، وكل واحد اكتشف أنه لن يكون قادرا على النصر أو سحق الطرف الآخر، لا أحد ينتصرـ وهناك حاجة لدى كل طرف لالتقاط الأنفاس، وتتعرض الدول الغربية لضغوط كبيرة من المنظمات الإنسانية لفعل شيء أمام هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة’.
ويرى مقدسي أن الحكومة التي تزعم تكتيكيا أنها تنتصر في حربها ‘على الإرهاب’ تحتاج هذه العملية السياسية، فالدخول في أية عملية سياسية يمنحها الوقت لشراء الوقت وتراهن على تغير في المزاج السياسي الغربي للحصول على ‘صفقة سياسية جيدة’.
وعن الخيارات السيئة لجنيف يقول إن الخيارات موجودة الآن ولكن ما يأمل تحققه في جنيف هو الإعتراف المتبادل بين المعارضة والموالين للنظام والتوصل لهدنة ووقف إطلاق النار والتي يمكن استخدامها كأداة لبناء جسور ثقة.
فأي تفاهم لا يقوم على توافق على جوهر الحل السياسي لن يستمر، أيا كان تبادل سجناء أو السماح للمواد الإنسانية وما إلى ذلك. ويعتقد مقدسي أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار سيكون ناجحا وسهلا تحقيقه من ناحية الحكومة التي لديها تسلسل قيادي، وهو أسهل منه من جانب المعارضة التي تتمثل في أكثر من فصيل.

السعودية وإيران

وعن دور السعودية التي تدعو المعارضة لعدم تقديم تنازلات، يقول مقدسي ‘عندما توافق على المشاركة في جنيف لا تستطيع المشاكسة، لأنك شاهد على الزفاف، وإن حصل زفاف في جنيف فسيكون السعوديين شهودا.
والغرب لا يريد من السعوديون التخلي عن المعارضة بل إعادتها لرشدها’. وعن دور إيران، خاصة بعد الإتفاق النووي، لا يعتقد مقدسي أنه تمت مناقشة الأزمة السورية أثناء المحادثات الأمريكية – الإيرانية ‘افترض أن الامريكيين كانوا مهتمين بمناقشة موضوع أفغانستان مع إيران’ أكثر من سوريا التي لا تعتبر مهمة عندما يتعلق الأمر بالأمن الإقليمي. ومع ذلك يرى أنه طالما كانت علاقة إيران مع الغرب جيدة فوضع النظام سيكون جيدا خاصة أن التحالف مع بين سوريا وإيران ‘لا يمكن زعزعته’ وعلى الرغم من ذلك ‘فهذا التحالف لن يكون قادرا على إعادة سوريا لما كانت عليه قبل 2011.
وحول دعوة طهران لجنيف أجاب مقدسي ‘أي طرف ليس مشاركا هو مشاكس’، ومن هنا فدعوة الإيرانيين سيكون بمثابة امتحان لنواياهم وإن كانوا سيلعبون دورا إيجابيا ‘وما يهم الإيرانيون هو استمرار النظام وليس شخص الرئيس’ وبالتأكيد فما يدعو إليه جنيف هو تغيير النظام.

عقد إجتماعي

ويرى مقدسي أن المهم في التغيير في سوريا، وما يقلق بال الموالين للنظام هو نجاتهم بدون أن تكون هناك دعوات لملاحقتهم أو الإنتقام منهم. ولهذا يرون في الرئيس، وهم محقون في هذا ضامنا لنجاتهم. ويضيف أنهم يعتقدون بحصول الفوضى في حال ذهابه.
ويجب التأكيد في المستقبل على العقد الإجتماعي نظرا لطبيعة سوريا الديمغرافية. ويرى أن الصراع الطائفي في سوريا سيتراجع أن تم التوصل لحل سياسي فالناس ‘غاضبون وحانقون بسبب ما خسروه وما نزف من دم، وعلينا أن لا نحكم عليهم في هذه المرحلة التاريخية، وعندما توقف نزف الدم وتمنحهم عقدا إجتماعيا أحسن فستهدأ الأمور’.

المسيحيون السوريون

وعن خططه السياسية وإن كان سيلعب دورا في الحكومة الإنتقالية قال مقدسي إنه ‘بصدق لا يبحث عن دور’ ويشعر بالألم عندما يرى بلاده ‘تتداعى’.
ولو كان الأمر متعلقا بدور لبقي في منصبه الذي عمل فيه مدة 15 عاما. وقال ‘عندما تفكر بالموت الهائل في سوريا فإنك تخجل من التفكير في المجد الشخصي، فسوريا تستحق أحسن من هذا’.
ويرى مقدسي إن أهم طريقة لحماية المسيحي، ليس من خلال مشاركته، كمسيحي ولكن عبر ‘نصوص’ أي دستور. وأكد ‘شخصيا لا أعمل من خلال المزاج الطائفي، بالتأكيد افخر بكوني مسيحي، وقطعا أهتم وأقلق حول وضع المسيحيين، وأعتقد أنه يجب الحفاظ على هويتنا العربية لأن العلاقة مع الرب يجب أن لا تكون العامل الأهم، ولا نريد العيش في مجتمع كل واحد يحمل هويته معه’.
وقال ‘لم أشعر يوما من الأيام أنني مواطن من الدرجة الثانية، ولسنا بحاجة لإعادة خلق تعايشنا، فنحن متعايشون، وما نحتاجه هو إعادة كتابة عقدنا الإجتماعي وحكم راشد’.
وهو لا ينفي تعرض المسيحيين في سوريا لتهديد والقتال الطائفي هناك ليس في صالحهم ‘وعلينا أن لا ننسى أننا مسيحيون سوريون وليس مسيحيون فقط وعندما تكون سوريا بعافية فنحن كذلك وهذا ما يجب أن نركز عليه’.
ولا يوافق مقدسي على فكرة وقوف المسيحيين مع النظام الذي يعتقدون أنه يحميهم، مؤكدا أن أحدا لم يكن قادرا على تقديم قراءة صحيحة لوضع المسيحيين أو موقفهم في سوريا من هذا الطرف أو ذاك، فالمسيحيون في سوريا يؤمنون كغيرهم من السوريين بالتغيير وأنه قادم لا محالة ولكنهم أرادوه تدريجيا وليس عبر الثورة المسلحة.
وبعد كل الدم والتهديد من الجهاديين اختار المسيحيون أن يكونوا ضمن الغالبية الصامتة، وهذا وضع مختلف عن الوقوف مع جانب ضد الطرف الآخر. ويرى مقدسي أنه يمكن للمسيحيين السوريين لعب دور لتجسير الهوة بين بقية المجتمعات السورية.
وعند سؤاله عن العودة لسوريا في العام الحالي، قال إنه لا توجد هناك أية معوقات قانونية لعودته.

موافقة المعارضة

وجاءت مقابلة مقدسي بعد موافقة المعارضة السورية على المشاركة في المؤتمر الدولي هذا الإسبوع بعد مناقشات وسلسلة من اللقاءات التي هددت بانهيار الائتلاف، حيث نقل عن مسؤولين فيه قولهم قبل التصويت الذي وافق فيه 59 عضوا على الذهاب لجنيف ‘نحن في غرفة الإنعاش المركزة’.
ونقلت صحيفة ‘واشنطن بوست’ عن مسؤول في الائتلاف يوم السبت إن المعارضة لا خيار أمامها سوى الذهاب إن ‘أرادت الإحتفاظ بالإعتراف الدولي لها كممثل للسوريين’.
وتقول الصحيفة إن القرار يمثل ‘معضلة’ للمعارضة التي تتشكل من رموز وفصائل متعددة، حيث يرى متحدثون باسمها ‘لقد طلب من الضحايا الحديث مع القتلة’. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي قوله قبل التصويت ‘يمثل القرار للذهاب لجنيف أمرا كبيرا لها، ولن نكون سعداء لو قالوا لا’.

نهاية الحرب

ويعلق باتريك كوكبيرن في صحيفة ‘إندبندنت أون صنداي’ أن التوصل لسلام في سوريا صعب بسبب كثرة اللاعبين في النزاع ولم يعد هؤلاء يتوقعون تحقيق نصر واضح أو يخشون هزيمة كارثية. ويرى الكاتب إن الولايات المتحدة باتت مهمتة أكثر في ‘احتواء’ الأزمة أكثر من الإطاحة بنظام الأسد.
وفي الوقت نفسه لم تعد إيران أو وكيلها في المنطقة حزب الله تخشيان الإطاحة بالأسد وهي نتيجة كانت إيران تعتبرها تهديدا وجوديا على مصالحها. وهناك أسباب أخرى إضافية أدت إلى تراجع الضغط على الأسد، ويتعلق الأمر بخوفها من هزيمة للنظام تفتح الباب أمام مجموعات من الجهاديين الأجانب أكثر من خوفها من انتصار الأسد.
ولم يكن مستغربا قيام مسؤولي الوكالات الأمنية الغربية بالتحادث مع المسؤولين السوريين حول 1200 مقاتل أوروبي في سوريا. وقد يكون الحديث متأخرا لكنه يخفي وراءه القلق بشأن صعود القاعدة وقوتها في سوريا والعراق.
وفي الوقت الذي يقول فيه الأوروبيون إن المحادثات كانت ‘ضيقة’ فإن المقاتلين السوريين من كل لون يتساءلون ماذا قدموا للسوريين من معلومات حتى يقوم النظام بقتلهم.
وحتى العام الماضي ساد اعتقاد بين السياسيين الأجانب والدبلوماسيين بقرب رحيل الأسد، لكن هذا لن يحدث بدون انقسام النظام أو تدخل عسكري غربي. ويرى الكاتب إن الوكالات الأجنبية الغربية فضلت تدفق الجهاديين على سوريا بدلا من أفغانستان وقدراتهم على النمو فيها تم التقليل منها.
وينقل عن مسؤول عراقي قوله إن الحرب في سوريا تظل الخيار الأفضل لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل لانها ستخرج النظام السوري من معادلة المعارضة لسياساتهم وتجعل من إيران مشغولة بالدفاع عن النظام وحزب الله منشغل بالحرب هناك وليس مع إسرائيل.
ويرى الكاتب أن هناك فهما خاطئا أو خداعا للنفس من جانب الوكالات الأمنية التي حاولت التفريق بين ‘القاعدة’ التي كانت تحت قيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري من جهة والجماعات الجهادية الأخرى. فالأمريكيون مثلا لا يتحاورون مع القاعدة ولكنهم قد يتعاونون مع الإسلاميين الذين قاتلوا نظام القذافي مثلا.
ويرى الكاتب أن لا فرق بين الطرفين. ففي السياق السوري، لا تختلف الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والجماعات الجهادية الأخرى المنضوية تحت لواء الجبهة الإسلامية. ويختم بالقول إنه من الصعب التفاؤل في وجه الذبح المستمر لكن الولايات المتحدة وروسيا تعملان أكثر من الماضي على إنهاء الحرب.
والمقترح الذي قدمه النظام في حلب لوقف إطلاق النار وتبادل السجناء قد يكون دعائيا أو جاء من أجل المزايدة على المعارضة لكن ضعف الأخيرة وتشتتها يعني أنه أصبح من السهل على دمشق التقدم بهذا المقترح لأن المعارضة لم تعد المنافس الجاد من أجل السلطة، مما يعني إمكانية تراجع وتيرة الحرب.
إنجازات؟

وفي تقرير عن ما قالت إنه تقدم لنظام الأسد في صحيفة ‘صنداي تايمز’ أعدته هالة جابر وتحدثت فيه عن الهدنة في منطقة برزة حيث نقلت عن عسكري سوري من الحكومة التي كانت حريصة على الحديث عن الهدنة قوله إن مقاتلين من الجيش الحر اتصلوا بالجيش ‘وخلال المفاوضات اشتكوا من الإسلاميين خاصة داعش وجبهة النصرة’، ويقول قائد ‘لقد وضعوا أيديهم في أيدينا لقتال’هؤلاء الجهاديين.
وتأمل الحكومة كما تقول الصحيفة أن لا يتم خرق الهدنة التي تم الإتفاق عليها في 5 كانون الثاني/يناير الحالي وأن يتبع هذا اتفاقيات في مناطق أخرى والإستفادة من تشتت المعارضة المنقسمة بين معتدلين وإسلاميين.
وتقول الصحيفة إن مظاهر التقدم للحكومة تبدو أوضح حول العاصمة حيث توصلت لاتفاقيات مع المقاتلين الذين كانوا يتحصنون في عدد من الأحياء. وتشير الصحيفة أن التحول مرتبط بغضب المقاتلين على الطريقة التي يعامل فيها عناصر من داعش وجبهة النصرة للسكان.
فقد نقلت عن أحد المقاتلين واسمه محمد، قرر الإنضمام للمعارضة المسلحة كتيبة ‘أحرار الشاغور’ بعدما شاهد قوات الأمن وهي تعامل النساء بطريقة تخدش الشرف. ولكن وبعد القتال لمدة عامين بدأ يشعر مرة أخرى بالقلق من تصرفات الجهاديين. ويزعم أن مقاتلا قبض عليه وهو يحاول ربط أسلاك الكهرباء واتهم بالسرقة ثم قطعت يده.
ويقول العسكري إنه قضى وقتا في برزة وهو يتفاوض مع المقاتلين الذي وجد أن هناك خلافات قليلة بين الطرفين.
ونقلت عن قادة في قوات الدفاع الشعبي التي تعتبر ميليشيات تدافع عن النظام إن ما حدث في برزة والمعضمية وغيرها من الأحياء مهم ويظهر استعداد الحكومة للتعاون مع المقاتلين المعتدلين الذين أداروا ظهرهم للجهاديين.
وعلى خلاف تقرير ‘صنداي تايمز’ تحدثت تقارير أمريكية عن شكوك المقاتلين من نوايا الحكومة التي تستخدم وقف إطلاق النار لتحقيق مكاسب عسكرية أو تطالب المقاتلين بتنازلات أخرى بعد الموافقة مثل تسليم الأسلحة الخفيفة أو تعيين حاكم عسكري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية