‘سروال بلقيس’ لصبحي فحماوي

حجم الخط
0

فلسطين ـ ‘القدس العربي’: صدرت الرواية الثامنة لصبحي فحماوي بعنوان سروال بلقيس- عن دار مكتبة كل شيء، حيفا للطباعة والنشر- في هذه الرواية تصوير مدهش لحياة العذاب والتشرد، خلال 24 ساعة فقط، لأهل المخيم الفلسطيني-عام 1951-ابتداء من فجر ذلك اليوم الربيعي، إلى فجر اليوم الآخر.
جاءت الرواية على 200 صفحة من القطع المتوسط، نقرأ سطوراً متباعدة، يعلق عليها القاص الروائي الفلسطيني محمود شقير تحت عنوان:’سروال بلقيس’ رواية تفضح واقعًا بالغ القسوة. فيكتب: ‘بدءًا من عنوانها: تضعنا رواية صبحي فحماوي أمام مفارقة. ذلك أن كلمة سروال حين يتبعها اسم علم مؤنث قد تحيل إلى حقل الجنس وما يحيط به من توقّعات، كما أن اسم بلقيس قد يستدعي ما اختزن فيه من تراث له علاقة بملكة سبأ. ثم نكتشف بعد قراءة السطور الأولى من الرواية أننا أمام وقائع أخرى غير التي قد يوحي بها العنوان للوهلة الأولى. نحن هنا أمام بشر يعانون من شظف العيش ومن عذاب مقيم.
ويقول أحد شخصيات الرواية، واسمه أبو الفيلة: ‘بعد حرب (هتلر) يا شباب، بدها تيجي حرب عالمية ثالثة، لازم تيجي حرب توكل (الاخظر واليابس). الناس يخافوا منها، لكن أنا بحب الحرب. بدي اياها تيجي بكرة، أنا منتظرها بفارغ الصبر… بدك تسألني ليش..؟ ولمعرفة سبب حب هذا الرجل المصاب بشلل نصفي، بسبب أهوال النكبة، هناك سرد تصويري فني مدهش لحال هذا الرجل، وأحوال أهل المخيم الذين يعيش معهم..تستطيع سبر أغوار عذاباته بمتابعة قراءة الرواية نفسها..
وللتعرف على بلقيس صاحبة السروال، نقرأ في الرواية: ‘إنها المرأة الخمسينية العمر، بلقيس نفسها، التي قالوا عنها الشيء الكثير..ها هي تدور حول نفسها، صارخة مثل غراب ينعق في الخراب، بين حِبال تشد خيام جاراتها، فتتشابك مع حبال خيمتها ‘بالأحبال’، بدل أن تتشابك بالأحضان، وبلقيس تمد يدها، فتتلمس الندى الذي يبلل شادرها، ثم تصرخ ثانية، فيتردد صوتها مثل ثعلبة تُقردن ضبعاً هائماً في غابة الصنوبر المقابلة للمخيم..’
ونقتطف عبارات متفرقة من الرواية التي تعتصر ألماً وسخرية وحزناً ضاحكاً:
‘تفرك الأم الثلاثينية صالحة السمراء عينيها لتفتحا، فتبدأ ترى الأشياء بصعوبة بالغة، يساعدها في تلمس ما حولها سراج كاز ‘مشحبر’، يمحو قليلاً من هذا الظلام الدامس، وما يزال سناه يصعد على مهل، مُسوِّداً سماء الخيمة..تُخرج من جيبها منديلها الأبيض، الذي كانت قد حملته معها من أثر البلاد، فتُمخِّط به أنفها، ثم تمسح مدخليّ فوهتيه الصغيرتين، وتحدق في سوءتيهما على المنديل، فتقول في سِرِّها: ‘هذا الدخان يحشر سواده في ثقبيّ أنفي، اللذين يبقيان طُوال الليل يسحبان هواءه المُشحّر إلى صدري، وربما يتدخل في ثقوبي كلها، حتى في طيـ…’.
وفي الرواية سرد لخرافات وخرافيات فلسطينية، مثل هذه الخرافة، التي قد تكون صحيحة: ‘ كانت جدتي تقول لنا: إن الضبع يهاجم طريدته بشكل مواجه، لأنه لا يعرف أن يدور برقبته المتخشبة مثل اللوح، ويفِحّ في وجهها رائحة نتنة من فمه، فيصيبها بالجنون، ويسرع هارباً إلى مغارته، فتلحقه المخبولة راكضة خلفه، معتقدة أنه أمها، وهي تصرخ قائلة: ‘يا اماه.. يااماه.. ياأماه.. يااماه!’.. فإذا دخلت المجنونة مغارته، فإنه يغرس أظافره في لحمها، ويأكلها على مهل، ويتجمع حوله جماعته فيقرقطوا عظامها.’ وعندما ترى جدتي أننا نشفنا من الرعب، تجد للحكاية مخرجاً، فتقول: ‘ولكن إذا ارتطم رأس الضحية -الهاجمة مثل الطلق- وهي مُعمّاة، في صخرة المغارة، وسالت دماؤها، فإنها تصحو من جنونها، ثم تنتبه، وتعرف أين هي، فتعود أدراجَها راكضة إلى مأواها، قبل أن يعرف الضبع ما حدث لها..وربنا يرحمنا، يا لطيف!’
هذا وسبق أن صدرت -في بداية العام 2014- لصبحي فحماوي رواية سابعة -عن دار الفارابي اللبنانية- بعنوان(على باب الهوى).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية