أزمة المواطن والمؤسسات العربية – الإسلامية بالغرب

حجم الخط
4

يصعب معرفة نسبة العرب والمسلمين الذين يعيشون حالياً ضمن إطار المجتمعات الغربية لأسباب عدة، منها التدفق المستمر للنازحين نحو هذه المجتمعات، عدم وجود احصاء مؤكد، بقاء نسبة هائلة من المهاجرين على هامش الحياة العامة ولعدم وجود تسجيل قنصلي شامل أو ما شابه ذلك في مؤسسات أخرى. بالتالي عدد المسجلين بمراكز الاحصاء الرسمية لا يمثلون سوى جزء من اجمالي الأجانب المقيمين بين أكناف الدول الأوروبية. عدم وجود مثل هذا الاحصاء لا يعني أن الدول الغربية تجهل ظاهرة الوجود العربي – الإسلامي داخل محيطها. بالعكس، هي على دراية تامة بمختلف جوانب هذا الوجود، بل ان هنالك مؤسسات تقوم بشكل دائم على دراسة وتحليل واقع هذه الجاليات، من حيث الكمية والنوعية. نتائج هذه الدراسات تنشر في مختلف وسائل الإعلام، ما يوحي بأن هنالك اهتماما وتتبعا رسميين مستمرين لهذا الوجود.
ما لا يُخفى على أحد هو أن الوجود العربي- الإسلامي أصبح جزءا من ملامح الحضارة الغربية في دول مثل، فرنسا، بريطانيا، المانيا، بلجيكا، إسبانيا، السويد، النرويج، الدنمارك وهولندا، التي تشكل حالياً النواة الصلبة للغرب. المواطن ذو الأصول العربية – الإسلامية أصبح يشكل سمة واضحة داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي الغربي. كل المؤشرات توحي بأن هذا الوجود، القانوني وغير القانوني، سوف يستمر في التزايد وسيكون موازيا لظاهرة ما يسمى بنشأة جيل المواطن الأوروبي ذي الأصول العربية -الإسلامية. حال تم استتباب هذه الظاهرة تماماً وتحولها لظاهرة طبيعية لن يبقى امام دول الغرب سوى إعادة صياغة كثير من المفاهيم والقوانين الوطنية، لتتناسب قدر المستطاع مع الوضع الجديد. في كل الأحوال، على دول الغرب التعامل مع هذه الظاهرة بشكل إيجابي وعدم النظر اليها كونها أزمة او تهديدا أو تحديا، كما يلمح البعض بين الحين والآخر، خاصة أن من ترعرع بين أحضانة من جيل ذي أصول عربية – إسلامية يشعر بانتماء تام للوطن الذي خُلق فيه يوازي انتماء ابائهم لوطنهم الأصلي والحاضن.
في الواقع أزمة الوجود العربي – الإسلامي لا تكمن أساساً في كونه تهديدا أو تحديا أو ما شابه ذلك، بقدر ما تكمن في المقام الأول في عدم وجود شخصيات عربية – إسلامية بارزة ضمن المؤسسات الغربية، وبالتحديد السياسية. شخصيات قادرة على ترجمة هذا الوجود إلى قوة فاعلة في المجتمعات الغربية. هذا الوجود نادر، غير مؤطر ولا يحصل على الدعم والتشجيع رغم أهميته الفائقة، ما يعني أن ليس لهذا الوجود مرجعيات تمثله وترمز له. هذا الغياب يجعل من هذا الوجود وجودا نسبيا وليس فعليا. حالياً معظم الشخصيات العربية – الإسلامية المعروفة مازالت بعيدة عن امكانية التأثير على دوائر القرار الغربي. ومن هم موجدون ضمن البنية المؤسسية الغربية مازالوا، رغم ما ينجزون من جهد جبار، محدودي الامكانيات ودورهم شبه معدوم على أعلى المستويات، إضافة لعدم تلقيهم الدعم الكافي من قبل جالياتهم، او من قبل المؤسسات العربية الرسمية، ونقصد بالتحديد السلك الدبلوماسي، ومن قبل المؤسسات العربية – الغربية المشتركة، رغم علم الجميع بالدور التوافقي الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء في عملية الانسجام، التوازن والتوافق بين ما هو شرقي وما هو غربي.
في المقام الثاني الأزمة تتجلى في عجز المؤسسات العربية – الإسلامية عن القيام بالدور المناط بها، رغم كثرة عددها ووجودها في معظم المدن الغربية، إلا أنها وإدارتها مازالت بعيدة كل البعد عن فهم وتقبل اساليب العمل والتحديث التي تميز المؤسسات الغربية المقابلة لها، إضافة لعدم قدرتها على استيعاب كافة المنتمين لها ثقافياً، اجتماعياً ودينياً، وهي غير قادرة على لفت انتباه المواطن الغربي بشكل واسع وإيجابي. بشكل ما، ذلك ناتج عن عمل معظم هذه المؤسسات والقائمين عليها حسب الاساليب الكلاسيكية البالية، التي تتبعها المؤسسات بعالمنا العربي الإسلامي. بدل استنساخ المهنية وأساليب العمل الراقية فان كثيراً منها تفضل عدم الانخراط اجتماعياً وثقافياً وتهميش نفسها قدر الإمكان لندرة تنوع المقدرات التي تؤهل القائمين عليها على العمل بفاعلية عالية ومتنوعة وللاحتكار الدائم لمجموعة مصغرة ومغلقة لمراكز القرار، ولعدم رغبتها في ضخ دم جديد مستنير من الشباب. هذا ما يجعل الكثير من المؤسسات العربية – الإسلامية أشبه بالمراكز التجارية التي من خلالها يروج البعض لأنفسهم أمام المؤسسات الغربية، بهدف الحصول على مزايا شخصية أو فوائد فئوية.
من تعامل مع بعض المؤسسات العربية – الإسلامية القائمة في الغرب يعلم أن التشابه بينها وبين مؤسسات الشرق من حيث اساليب الادارة والعمل يجعل من بعضها نسخا طبق الأصل، بل هنالك من يعتقد بأن هنالك مؤسسات شرقية أكثر شفافية، ديمقراطية وانفتاحاً من المؤسسات العربية-الإسلامية القائمة ضمن المنظومة الغربية. هذا أمر يمكن أن يبدو غريباً، لكن للأسف هذا هو الواقع. من تعامل عن قرب مع بعضها ومع القائمين عليها يمكنه أن يؤكد أنها بعيدة عن أدنى معايير العصر وعن واقع ومتطلبات الجاليات العربية – الإسلامية المنتشرة على امتداد القارة الأوروبية، وأن كثيراً من هذه المؤسسات ومن القائمين عليها لا يريدون أن يعرفوا شيئا عن التجديد والتفعيل الدائم. فقط كل ما يصبون إليه هو أن يبقي الحال كما هو عليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وذلك خوفاً من أن يؤثر ذلك على المكاسب والمصالح الذاتية. بصراحة مثل هذه المؤسسات تحتاج أكثر من غيرها لثورة تنفضها من العمق، لتدخلها حرارة الشمس ولتراودها نسمة الربيع.
كافة حكومات الدول الغربية على دراية بوضع المؤسسات العربية – الإسلامية المزري. لكنها لا تفعل شيئا، بحكم رغبتها، حسب ما تصرح علنياً، في عدم التدخل فى شؤون مؤسسات تتمتع بخصوصيات معينة. هذا السلوك مصلحي ولن يتغير رغم علمها بوجود جيل أوروبي عربي – إسلامي يطمح الى وجود مؤسسات تمثله وتعمل حسب قوانين وأساليب حديثة. وهي على معرفة بأن المؤسسات القائمة مغلقة، غير منسجمة وليس لها علاقة بمفهوم الديمقراطية أو الشفافية، بل في كثير من الاحيان تعيش على هامش الواقع والمجتمع المنضوية ضمن إطاره. يعتقد أن الحكومات تغض النظر عن هذا الواقع لأنه يصب في مصلحتها العليا، وبالتالي لا يهمها وضع فكر ومستقبل هذا الجيل، طالما أن هنالك علاقة تفاهم ومصالح ضمنية مع كثير منها. والغريب أن وسائل الاعلام تتجنب الخوض في وضعيتها، في الوقت الذي تناقش حال مؤسسات أخرى أقل أهمية. لا يعرف أحد هل تتصرف بهذا الشكل بأوامر، أم أنها فاقدة الأمل في أمكانية إحداث نوع من التأثير الإيجابي في داخلها.
لتثبت وجودها ولتحصل على شيء من الشرعية، معظم المؤسسات العربية-الإسلامية تقوم بأعمال تدخل ضمن عالم الشكليات، بهدف تقليص حجم النقد والسخط المتزايد تجاه القائمين عليها. الكل على علم بأن الناتج العام لهذه الاعمال غير ملموس بتاتاً، خاصة في ما يتعلق بتنظيم، تقنين، تأطير وتحفيز أبناء جالياتها، وفي كون ثقافة، عادات، رموز ومعتقدات هؤلاء مازالت محل استهتار واستهزاء داخل المجتمعات الغربية، وفي وسائل اعلامها المختلفة، إضافة لعدم تفكيرها ومقدرتها على الدفع بشخصيات من ضمن محيطها لترتقي لمناصب مرموقة داخل المؤسسات الغربية المهمة، ابتداء بالأحزاب السياسة وانتهاء بالمجالس البرلمانية، لتساهم هذه في الدفاع وتثبيت حقوق أبناء الجاليات العربية – الإسلامية القائمة بالغرب.
الكل على معرفة بأن مثل هذا العمل يصب في الصالح المزدوج، الغربي والشرقي، وفي صالح كل بلد نزح منه أو تمت الهجرة إليه. كل هذا يحملنا إلى القول بأنه حالياً وفي المستقبل من يواجه تهديدا وتحديا حقيقيا هو المواطن والمؤسسات العربية – الإسلامية المنتشرة في الغرب وليس دول الغرب في حد ذاتها، كما يحاول البعض الترويج للإقناع به.

‘ كاتب فلسطيني- إسبانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عاهد الفرا (فلسطين):

    معظم مشاكلنا تكون من أنفسنا، حب البقاء والأنا طالما سيطرت على الشخص فلن يفكر في توجه نحن، لذلك لن نجني ثمار وفوائد تلك المؤسسات، على تلك المؤسسات أن تفكر جدياً وترسم سياستها بشكل يساعدها على القدرة في التأثير قوانين وقرارات الحكومات الغربية لتصب في مصلحة العرب، كما يفعل اللوبي الصهيوني، لكن عليهم إن أرادوا ذلك ان يتجنبوا عند وضعهم لتلك السياسات الحدة والشدة في صياغتها وجعلها تتمتع بالمرونة النسبية حتى لا يتحسس الغرب منها، بالإمكان التأثير من خلال إمتلاك وتشغيل مشاريع تؤثر في الحياة الإقتصادية للغرب، أضف لذلك انه بإمكانهم أن يؤثروا من خلال أسلوب ونمط حياتهم المتمثل في أعمالهم وانشطتهم وتصرفاتهم،

  2. يقول منصور عـبجي:

    في الغرب مؤسسات عربية وإسلامية، من جمعيات إسلامية واجتماعية (مثل جمعيات الجاليات العربية المختلفة) هي جميعها أشبه ما تكون بالسلطنات التي وجدت قبل قرون، كل متربع على عرش سلطنته لعشرات السنين… جمعيات إسلامية وجمعيات ثقافية وجمعيات جاليات لها رؤساء مؤبدون لا يتزحزحون عن كراسيهم ولو كلفهم ذلك حياتهم ولجان إدارية هي الأخرى مؤبده فيما يشبه المافيات التي لا يهمها إلا الكرسي والوجاهة والأموال التي تتلقاها هذه الجمعيات سواء من أعضائها أم من الدوائر الحكومية الغربية لا سيما تلك التي تتلقاها الجمعيات الإسلامية. لهذا السبب نجد أن الوجود العربي والإسلامي في الغرب لاسيما في أوروبا وكندا هو كزبد البحر فرغم الأعداد الهائلة التي تعد بالملايين من العرب والمسلمين في هذه البلدان إلا أن أثرهم السياسي في بلدان إقامتهم هو صفر مضروب بصفر مطروح منه صفر. لا هم لهذه المافيات إلا المنفعة الشخصية ولا قيمة عندهم للجاليات ولا للدين من بعيد أو قريب. فإذا أضفنا الى ذلك كله تدخل بعض السفارات العربية (فقط العربية) في عمل هذه الجمعيات وهذه التجمعات، دائما لبث المزيد من الفساد في نسيجها وفي عملها، لفهمنا أية حالية مزرية يعاني منها الوجود العربي والإسلامي في أوروبا وكـندا.

  3. يقول زينب راضي- فلسطين:

    تشكل المؤسسات العربية الاسلامية مساحة تمكن العرب والمسلمين ان يلعبوا من خلالها دوراً مهماً في كافة الميادين ومنها ميدان التنمية والسياسة في المجتمعات الغربية لكن قصور هذه المؤسسات او عجزها عن القيام بهذا الدور يكمن في ان مثل هذه المؤسسات مرتبطة بالنظم الديمقراطية التي تحافظ على مساحة تكفل للمواطن حريته تلك الديموقراطية التي لم يعتد ولم يتربى عليها الانسان العربي فكيف له ان يمارسها ؟ حتى وان عاش في احضان المجتمعات الغربية فتطغى عليه اصوله
    كما ان تغليب المصلحة الذاتية والانانية و غياب المبادرة الذاتية للفرد العربي المسلم والرغبة في العمل من أجل التقدم والتغيير ، والخوف من التغير خشية النقد تشكل جذور المشكلة وأساسها ولذلك ينبغي معالجتها أولا ومن ثم يمكن الحديث عن باقي المشاكل التي تعاني منها هذه المؤسسات.
    ما ينقص هذه المؤسسات فرد عربي مسلم واعي متعلم مثقف متحضر واسع الافق مغامر مبادر تربى في مجتمع غربي يتبنى الافكار الغربية التي تتناسب وشريعتنا السمحة يحسن الادارة والتنظيم يسعى لتحقيق المصلحة العامة ومن ثم الخاصة يؤمن بالحرية والديموقراطية وحقه في المشاركة بصنع القرار وان كان في مجتمعا غربيا يثق بذاته وقدرته على التغيير والاصلاح

  4. يقول سوري شريف:

    كل التعليقات جيدة ولكنكم متشددون على موضوع الدين وأنتم تعلمون ان الغرب ليس متدينا وليس مسيحيا ،
    يجب النظر الى الموضوع من ناحية حق المواطن وواجباته وإخلاصه للوطن الذي طلب جنسيته وأخذها راغبا وراضيا ،
    السؤال الان هل أفراد الجاليات العربية مستعدة لتطبيق قانون البلد الذي تجنسوا بجنسيته ، ام انه لا يهمه الامر الا من زاوية الاستفادة من القوانين الاجتماعية والخدمات الصحية دون اي عطاء ؟
    المشكلة اننا حصرنا الموضوع في النقاب والحجاب واللحم الحلال وهذا لا يهم المجتمع الغربي الذي يهمه ليس التدين بل المواطنة بكامل مواصفات الحقوق والواجبات ،
    الدين لا يجب ان يكون عقبة في المواطنة الكاملة والصالحة ، هناك الكثيرون من العرب والمسلمين يعادون البلد الذي آواهم وأعطاهم الحقوق وينتظر منهم الواجبات في العمل المنتج ولنتزك التعصب الأعمى ولنحترم الجار والزميل ولا نعتبر أنفسنا ذاهبين الى الجنة وهم ذاهبون الى النار لأنهم لا يعرفون التدين

إشترك في قائمتنا البريدية