الشاعر المغربي أمجد مجدوب رشيد: شعراء اليوم هم من أبعد القراء عنهم حين بالغوا في حدوسهم وهواجسهم

حجم الخط
1

الرباط ـ ‘القدس العربي’ ـ من الطاهر الطويل: منذ أن أصدر ديوانه الأول ‘وأظهرك على العشق كله’عام 2004، والشاعر المغربي أمجد مجدوب رشيد يسعى إلى تخصيب تجربته الشعرية وإثراء أدواته الفنية.
وحين تجمّع لديه عدد كبير من النصوص الشعرية على امتداد عقد من الزمان، اختار منها الديوان الثاني الموسوم بـ’نايات لعشق’ والذي سيصدر قريباً، حيث يلتفت الشاعر إلى اليومي والتفاصيل، إلى الإنساني والاجتماعي، ويتوسع في موضوعة العشق، مضيفاً نصوصا شذرية إلى أخرى طويلة وتفعيلية. وبذلك، تترسخ لديه مركزية الصورة الشعرية والعناية بالجانب الإيقاعي. التقته ‘القدس العربي’ فأجرت معه الحوار التالي:

‘ ما الذي قادك الى غواية الشعر؟
‘ المعمار الفاسي الأندلسي الأصيل، وثراء النقوش وعبد الحليم حافظ والدم! كان للمكان سحره وتأثيره العجيب في غضاضة الطفولة، في تفتح أفواف الروح، وتبسم العيون للألوان والأشكال، وفي أول واردات الجمال والبهاء. لم يكن المنزل الذي نشأت فيه عاديا، كان استثناء جماليا، بالسقاية والبئر والسواري والفسيفساء والجبس المنقوش الملون وفتحة السماء الزرقاء وشجيرة التين التي خرجت من أصل سياج خشبي كالدهشة كالمجاز معلقة في الحدوس.. والأدعية التي تحيط نقوشها بكل الجدران، وبإيماءات العاشقات والعاشقين… وبرسالة عبد الحليم حافظ التي تولَّهت بها فجعلتها بطاقة هوية وغلفتها بمشمع، فلما اكتشفها العم ثقب كفِّي بمسمار حزامه، وانبثق دمها، وصرت الغاوي والمغوي.
‘ بين الديوان الأول والثاني قيد الصدور، ماذا تغير؟ وماذا انضاف؟
‘ هي مسيرة تطور في الرؤيا والأسلوب، فقصيدة النثر إبداع في الرؤيا والصورة واللغة والإيقاع…
‘ هل مازالت هناك حاجة الى الشعر اليوم، خاصة حين يتحدث البعض عن كون الزمن الحالي زمن السرد؟
‘ يهيمن السرد على التداول، ومرد ذلك في نظري إلى اللغة والأسلوب، الشعراء هم من أبعد القراء عنهم، حين بالغوا في حدوسهم وهواجسهم، ولم يكتبوا نصوصا يشعر بها الناس، السرد يقوم بهذا… على الشعراء إعادة عشاق الشعر إلى ساحة الشعر، لما وضعت نصا شعريا عن ‘الخذروف ‘ على صفحتي في موقع تواصل اجتماعي، فوجئت بمدى تفاعل القراء معه، وإعجابهم به: ‘أربع شجيرات نقفُ / نمسك الأهرام الخشبية ذوات السن الفضي/ تسيل خيوط من راحاتنا/ وعيوننا أنهار لهفة وشوق/ نلوي خيوط الريح / خيوط العمر،/ على عري أهرامنا، ونترقب تغريدا/ ورقصا فلكيا يلقي أهرامنا /أقمارنا / في غفوات السماء/ نكسوها/ نُرْقِصُها/ نُعَرِّيها/ نقصف بها/ ونحبها، نحب حتى سنها الفضي’.
وستظل الحاجة على الشعر، لأننا في حاجة إلى إنماء الإنساني والروحي فينا، وإن كان السرد قد احتفل به، فللشعر أدواره الجمالية المميزة والتخييلية الخاصة، وله تلك المهام النفسية التي يتفوق حين يحسن العزف في القيام بها.
‘ وماذا عن جمهور الشعر في المغرب؟
‘ الكتاب المدرسي ورؤيته واختياراته الخاطئة يفقد الشعر أهم رصيد من جمهور القراء، ليس لنا اهتمام في المغرب، بتشكيل وتكوين الجمهور القارئ، كل الأنشطة التي تقيمها وزارة الثقافة والجمعيات ذات الاهتمام، هي أنشطة موسمية لا تندرج ضمن تصور شمولي لمشكل القراءة، وبنية تداول الكتاب غير مضبوطة، تعتمد على الجهود والنفقات الشخصية، وعلى الحظ، من يقيس مؤشر القراءة؟ من يخبرنا بأكثر الفئات اقتناء وتداولا للكتاب؟ ما ميول القارئ المغربي؟
بناء جمهور قارئ يحتاج إلى خطة عمل وتصور وبرمجة أهداف وإجراءات، وبناء جمهور الشعر يحتاج إلى مناضلين، يعيدون للنص الشعري في الكتب المدرسية ألقه وإغراءه الجمالي، ويعيدون له حظه من الإعلام الرسمي والتلفزي خاصة، وأن يتم السعي إلى توسيع شريحة قراء الشعر بطبع مختارات شعرية، وإعادة سحر الشعر إلى نفوس الناس ووجدانهم … الآن جمهور الشعر بالمغرب جمهور نخبوي.
‘ هل أنصف النقد تجربتك الشعرية؟
‘ لقد كتب الدكتور الشاعر محمد علي الرباوي تقديما لديوان: ‘وأظهرك على العشق كله’ تناول فيه موضوعة المدينة في الديوان، وتنوع الأنماط الشعرية فيه (هناك أمر آخر يميز هذه المجموعة الشعرية، إنه الإيقاع. فقد آثر الشاعر أمجد استعمال الأنماط الشعرية التالية:ــ القصيدة. القصيدة الحرة، قصيدة النثر). واللغة الشعرية. وخصص له الشاعر المرحوم محمد بن عمارة في حلقة من البرنامج المتيز ‘حدائق الشعر’، والأمر نفسه قامت به الشاعرة المبدعة أمينة المريني من خلال البرنامج الإذاعي ‘واحات شعرية’ بإذاعة فاس، وأشار الشاعر ياسين عدنان في برنامج ‘مشارف’ التلفزيوني إلى صدور الديوان، ولربما تقديم الرباوي جعل النقد يراه كافيا!! وعلمت أن الأستاذ الناقد نجيب العوفي تناوله في ورقة نقدية خلال ندوة بتازة،لم تنشر. وأقول لم يقرأ الديوان قراءة نقدية منشورة، ولست منزعجا لذلك، مهمتي أن أكتب وأبدع ….
‘ هل لك أن تتحدث لنا عن طقوس كتاباتك؟ و كيف تتم لحظة الخلق الشعري؟
‘ كتفتق الزهر، الجذور والساق تحبل بالنسغ، يملأها الشوق، تود لو تبوح بسرها الجميل، وفي لحظة هدأة، تسكن العناصر، كأنها تنصت لنداء الرب، يصاعد العبق المنثور نجوما وجلالا، وتخطر سيدتي على المرمر كبلقيس.
الكتابة طقس يفرض شروطه النفسية الخاصة، بالنسبة لي الشرط الأول المهيىء لورود فيوض النص هو حالة من الامتلاء والفيض، تسندها حالة حدوس متخلقة، والشرط الثاني سكون روحي أو عواصف وجع، أكتب في أي مكان، وفي أي لحظة حان فيها الإيراق، أختار وأنا مع الآخرين عزلتي اللذيذة فتمارسني الكتابة.
يلعب الطقس الحرارة أو البرد القارس، فصل الربيع، وانشغالات الأسرة، وضغوط العمل والمهنة أدوارا في إبعادي أو تقريبي لبياض الورقة. هناك كثير من نصوصي مؤرخة بشهر أيار (مايو) أو حزيران (يونيو) لهذه العوامل. أما بخصوص المواضيع التي تراودني عند الكتابة فهي كثيرة أهمها الإنسان في صراعه من أجل الحرية، والحب والمرأة والذات وتفاصيل اليومي والطفولة والوطن الكبير…
‘ أسْمعنا ‘ناياً’ من نايات عشقك؟
‘ أعزف لك من الناي الثالث ناي بعنوان:’نغم ‘/ نغمٌ مشى عطرا/ في ذاكرة الغمام/ نغمٌ تمَطَّى /وهامْ/ نغمٌ تفتَّحَ كزهر اللوز/ وغازل اليمامْ/ نغمٌ ترنَّحَ/ تأرْجَحَ/ تلوَّنَ/ تزيَّنَ/ وعلى زندِ/ الحسناءِ/ نام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فاطمة الزهراء بفاس:

    جيد و عظيم الله يوفقك

إشترك في قائمتنا البريدية