ثورة مستعرة… وشرر يتطاير

حجم الخط
0

تعيش المنطقة العربية في هذا الوقت حالة من الصراع المحتدم غير المسبوق منذ عقود خلت، فنحن بواقع الحال كمن يبني قصوراً شاهقة على فوهة بركان.
يأتي على رأس تلك الاوضاع الملتهبة، الوضع في سوريا، والذي يبرز فيه بشاعة الاجرام لبشار الاسد وحزبه وشبيحته، في الجانب الآخر لهذا النظام الدموي يقف اكثر من طرف وانما أطراف كل واحد منه يحاول جر الثورة بالاتجاه الذي يريد. فمن الجيش الحر بألويته المختلفة الى جبهة النصرة الى قوات دولة العراق والشام الاسلامية وابنتها داعش. ويا ليتهم يسيرون باتجاه الهدف المشترك لهم جميعاً وهو اسقاط النظام الدموي القابع في دمشق لكنهم وللأسف بدلاً من ذلك وثب كل طرف على الآخر لمحاربة بعضهم البعض .
هذا التشظي بالطرف المقاوم للنظام الدموي يدل بشكل واضح أن الثورة السورية تعرضت لمؤامرة كبرى جُيرت فيها القوى داخل ساحتها كل في اتجاه مختلف عن الآخر. فاختلاف الافعال يؤشر على اختلاف الاهداف، واختلاف الاهداف يؤشر على اختلاف الجهة واضعة الاهداف التي تريد.
من الثورة السورية تطاير الشرر الى من حولها، من لبنان تدخّل حزب الله الحليف الأعمى لنظام الاسد على الفور، وضحى بشعبيته وتاريخ نضاله الذي كان محط احترام الكثيرين الى تلك اللحظة التي أسفر فيها عن وجهه الطائفي البشع، فهو يرسل مقاتليه الى سوريا ليعودوا إليه جثة هامدة، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل استدعى بفعله غير المتزن النار الى ضاحيته الجنوبية ذاتها، فكانت ردات فعله في الداخل اللبناني غير متزنة ولا محسوبة، فأضحى المشهد اللبناني، المعقد أصلاً ، أكثر تعقيداً وأكثر احتقاناً وقابلا للتطور نحو الاسوأ.
ومن العراق يأتي الدعم اللا محدود لنظام بشار الاجرامي من قبل المالكي وجميع طوائف الشيعة، لقناعة المالكي أن سقوط نظام بشار سيؤدي به الى نفس المصير. فهو يدافع عن استمرار وجوده قبل استمرار وجود الاسد ونظامه البائس. لذلك وبنفس الشعارات الطائفية التي يدار فيها النزاع في سوريا، تدار الامور في العراق تجاه مطالب أهل السنة الذين يعانون التهميش والابعاد حتى باتوا وكأنهم لاجئون في وطنهم، والآن بدأت سلطات المالكي باستخدام القوة العسكرية لفض الاحتجاجات المطالبة بحقوق مشروعة وعادلة لتتسع دائرة الصراع المسلح من سوريا الى لبنان الى العراق.
من فوق جمر الثورة السورية الملتهب يُطبخ مؤتمر جنيف ‘2’ ، هذا المؤتمر – الذي يقوده ميزان القوى للدول الكبرى المهيمنة على القرار الدولي- غير واضح المعالم والمحددات، ويبدو أنه يستخدم كعصا غليظة فوق رأس الثورة السورية، ليكون الاطار الجاهز لاحتواء أي جسم أو تطور لا يحمد عقباه بالنسبة لتلك القوى ذات الانانية المفرطة التي لا تنظر ولا تلتفت إلا لمصالحها الذاتية .
علماً بأن هذه الدول على وجه الخصوص والمجتمع الدولي على وجه العموم فشلوا فشلاً ذريعاً من الناحية الاخلاقية تجاه قضية شعب يذبح بدم بارد، ويشرد أهله وتهدم بيوته بالبراميل المتفجرة، من قبل عصابات دموية حاقدة، تفتقر لأدنى درجات الانسانية. وهكذا يقال على كل مَن يملك تجاههم شيئاً ثم هو يسكت ويستكين.
بالمحصلة المنطقة قابلة لجميع الاحتمالات المعقول منها وغير المعقول، ويصعب على أيّ كان أن يتنبأ بما ستؤول إليه الاوضاع وما يمكن أن يترتب عليها من آثار ونتائج.
لكن ما استطيع الجزم به أن رياح التغيير لن تبقي شيئا على حاله، وأن سنة التغيير حتمية واقعة، والتي تحدده هي ارادة الشعوب وحدها.
د. رامي ناصر عياصرة
باحث اردني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية