الحارس الذي في القلعة

حجم الخط
0

الحارس الذي في القلعة

علوان حسينالحارس الذي في القلعةالحارس الذي فوق يمكن أن يكون أنا، والسجين المتقلب من الخوف أو الكوابيس هو ذلك الذي كان يوما الحارس. البندقية علي كتفي ثقيلة تؤلم حافة الكتف. لا أدري ما نفع البندقية لي أو للناس المتكومين كبضاعة بائرة في مخازن مغلقة؟ هذا السجين مثلا يتحرك في فراشه كالمصاب بالجرب.هيئته بائسة وشكله رث، لا شك أن أحلامه توخزه كالمسامير. لم أر انساناً نائماً بهذه الهيئة من قبل. تروق لي نوبة الحراسة في الليل حيث الطقس رائع والنجوم كأنها صبايا رائعات الجمال يومئن لي من بعيد. آه ما أحلي أن أضاجع نجمة علي العشب الأخضر الطري. الهواء نظيف مشبعٌ بالندي وكأن أجنحة تنبت لي وتدعوني للطيران. لولا هذه الروائح الخانقة التي تبعثها هذه الأجساد المتعفنة كجثث في حالة تفسخ. هذه المخلوقات المتروكة لقدر مضحك في غرائبه أشك أنها كانت سعيدة في حياتها. يبدو أنها ضجرت من الحرية ولاذت بهذا المكان هرباً ربما من ممارسة الرذيلة مع النساء أو طمعاً في الجنة. يحيرني أكثر هذا السجين الذي لا يستطيع النوم وهو في الوقت نفسه مجبرٌ عليه. الأنشوطة حول رقبته، يحاول عبثاً فك عقدتها. المشنقة تنتصب أمام عينيه كلما حاول النوم قليلا. لستُ مشفقاً عليه فهذا قدره طبعاً، لكني أتأمل حالته فحسب. بالنسبة لي لا أستطيع النوم مع مشنقة. شهر واحد أغيب فيه عن زوجتي ودفء فراشي، بعيداً عن حضن الأنثي ومداعبة حرير جسدها الشهي واستنشاق أريج عطورها ولمسة حنانها العذبة، آه أكاد أجن من حرمان شهر طويل كدهر. ربما يفكر هذا السجين في زوجته في هذه اللحظة بالذات، رغباته تزداد اتقاداً بينما جسده يهترئ ويذبل في اسطبل للخيول النافقة. هؤلاء ينتمون للجنس البشري، وأنا بالطبع أنتمي لنفس الجنس، كذلك الجهة التي أمرت بحبسهم في هذا المكان القذر. ما أبشع هذا الجنس البشري. الحيوانات في البرية لم تتعامل بهذه الوحشية، الحيوانات أرقي من البشر. صحيح أني أتعفف من ايقاع الأذي بهم، ضربهم مثلا أو تعذيبهم بالطرق المألوفة في هذا السجن كالفلقة والجلد علي الرأس وكسر الأضلاع وحرمانهم من النوم وغيرها، ولكني متواطيء ضدهم. بديهي أن أية محاولة ولو بسيطة تفهم علي أساس تعاطفي معهم في ابداء ولو عاطفة عابرة وعفوية في التعبير عن اشمئزازي من رؤية مشاهد التعذيب والعذاب وسماع عويل واستغاثات السجناء يعد مؤامرة ضد السلطة وخرقاً للقوانين تهدر دم صاحبها أو يكون مصيره النوم كما حالة هذا السجين السابح في نهر من الظلمات، وكأنه الآن بين فكي تمساح أو أسد مفترس. لكل منا غريزته، السجان يعبر عنها بالجلد والسجين بالصراخ. السجان يروي حاجة عميقة في روح أصابها التبلد والعطب، غريزة النار التي لا ترتوي حتي تحترق هي نفسها وتصير رمادا. السجين قد ترويه دمعة ممزقة تحفر علي وجه صاحبها ثلماً وربما في روحه أيضاً. يبدو أن وجود السجين ضرورة للسجان كي تكتمل صورته علي الأقل أمام نفسه. تري أين هو اله هذه المخلوقات؟ في أي كوكب يعيش.. ألا يسمع صراخهم وتضرعاتهم وصلواتهم؟ لماذا هو في حالة الامبالاة .. أليس هو المسؤول عن وجودهم .. أم ليس ثمة من اله وتلك هي الطامة الكبري؟ من يشفع لهؤلاء اذن؟ لماذا لايستقيل السجناء من وظيفة دورهم كضحايا في الحياة تاركين السجن للسجانين يحرسونه من الأشباح؟رئيس الدولة يرفض الاستقالة من وظيفته كرئيس خالد حتي موته وربما سوف يظل يحكم وهو ميت، هؤلاء الرؤساء يرفضون ترك الوظيفة حتي وهم موتي. الضباط يجدون في الوظيفة هالة وملكا لا يستحقونه في حياة طبيعية عادية كوظيفة مدنية تؤمن لهم الخبز والأحلام البسيطة التي يرنو لها كل انسان علي وجه البسيطة. لكننا كأفراد شرطة نشقي ونتعذب ونسهر تاركين أحبتنا وحياتنا وراءنا ليهنأ هؤلاء الأوباش. ماذا نخسر لو فقدنا وظيفة شرطي حقيرة الوصف، لماذا التشبث بمهنة وضيعة كهذي؟ لاأحد يترك موقعه ولو كان تلك المهنة التي قال أحد الحكماء فيها (تسقط المرأة فتصبح عاهرة، ويسقط الرجل فيكون شرطياً). تخيل وأنا أمشي في الشارع مزهواً ببدلتي الكاكي وسطوتي كرجل الدولة المرعب، والآخرون يهمسون في سرهم أنظر قد أتت العاهرة تجر وراءها فضيلتها كذيل مقطوع .. يا لها من مسخ هذه الشمطاء المتعجرفة. أكاد أسمع سخريتهم التي يخفونها خلف ابتسامة مراوغة مليئة بالاحتقار. وبخبث وقصدية أسير أمامهم وأنا أخبط الأرض محدثاً جلبة وغباراً، ليموتوا في غيظهم. أنا السجان وقابض الأرواح .. ليأتوا الي السجن ويروا بأم أعينهم رهبتي وقسوة قلبي، وليحكموا بعدها بما تشاؤه عقولهم الصغيرة. كاتب عراقي0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية