30 صحيفة سورية وقنوات إذاعية تعمل في تركيا.. و’رابعة’ تعمل من هناك

حجم الخط
0

لندن ‘القدس العربي’: تحولت تركيا اليوم إلى مركز للإعلام السوري المعارض لنظام بشار الأسد، وملجأ للناشطين الهاربين من بلادهم من مصر ودول وسط آسيا. ويجد فيها الصحافيون والإعلاميين الذين يعملون للإطاحة بنظام دمشق الديكتاتوري حرية أكثر من أي دولة عربية، مع أن منظمات حقوق الإنسان تتهم الحكومة في أنقرة بملاحقة الصحافيين الناقدين لحكومة طيب رجب أردوغان. فبحسب ديفيد ليبسكا فقد ‘اعتقلت تركيا مراسلين أكثر من أي بلد آخر’، مضيفا في مقال له عن إعلام المعارضة السورية في تركيا نشرته مجلة ‘أتلانتك مونثلي’ ‘قلة هم الذين يربطون اليوم تركيا بحرية الإعلام، ومع ذلك يقول الكاتب ‘تبرز اسطنبول اليوم كمركز نشاط للإعلاميين المنبوذين في المنطقة’. فمع توسع الحرب الأهلية في سوريا اضطر أكثر من 700 ألف لاجيء سوري للجوء إلى تركيا حيث أنشأوا 30 صحيفة، وعدد من محطات الإذاعة’. وقبل أسابيع أعلنت مجموعة مرتبطة بالإخوان المسلمين عن إنشاء محطة تلفزيونية باسم ‘رابعة تي في’ في اسطنبول، وبعدها بأيام كشفت إبنة الرئيس الأوزبكي غولنار كاريموف عن إسكات مؤسساتها الإعلامية في لقاء نادر مع صحيفة ‘حريت’ التركية.

أول صحيفة عربية

وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيها اسطنبول عاصمة للصحافة المنفية ففي القرن الثامن عشر استقبلت يوهان بن جاكوب إشكنازي، الناشر اليهودي من لفيف في أوكرانيا حيث أصدر أول صحيفة عبرية عام 1711. وبعد ذلك بسنوات قام إبراهيم موتيفريكا، المسيحي الروماني الذي اعتنق الإسلام وأصبح مرسالا للقصر بإصدار أول صحيفة ناطقة بالعربية بعد أن أقنع المفتي الأكبر للسلطنة العثمانية بإصدار فتوى تحلل طباعة الكتب باللغة العربية على آلة الطباعة، منهيا في هذا قرنين ونصف من الحظر العثماني على طباعة الكتب (حيث كان يحكم بالإعدام على كل من يخرق الحظر)، وفي منتصف القرن التاسع عشر تحولت عاصمة السلطنة العثمانية إلى مركز للمثقفين الفرس الذي أصدروا كتبا وكتيبات كانت تهرب لاحقا لداخل إيران. وكان مصطفى كمال أتاتورك هو الرجل الذي أنهى تقاليد السلطنة العثمانية كمركز لاستقبال المنفيين، حيث منع الحرف العربي واستبدله باللاتيني، ثم جاءت العلمانية، والسيطرة على الإعلام والتأكيد على الهوية التركية ‘الطورانية’، حيث ركزت الدولة على فكرة ‘أحسن صديق للتركي هو التركي’، وقد أدى هذا إلى حالات من العنف والقتل والرهاب من الأجانب، وهرب المسيحيون واليهود من العاصمة القديمة للسلطنة ولم يتبق من 300 صحيفة كانت تصدر في القرن التاسع سوى عدد قليل.

العثمانيون الجدد

وعادت اسطنبول للعب دورها السابق في عهد ما أطلق عليهم ‘العثمانيون الجدد’ وحكام العدالة والتنمية، حيث استخدم قادة الحزب الإنجازات الإقتصادية والسياسية والبعد السكاني التركي لقيادة الإحياء في المنطقة. ويشير الكاتب إلى ما قاله وزير الخارجية أحمد داود أوغلو في نيسان / إبريل 2012 ‘سنواصل توجيه رياح التغيير في الشرق الأوسط وسنكون قيادييها’. ومع أن هذا لم يتحقق حيث عانت حكومة أردوغان من الأزمة بعد الأخرى ومن تظاهرات الصيف في منتزه غازي إلى المواجهة مع حركة فتح الله غولن حول المدارس الخاصة إلى الفضيحة الأخيرة حول فساد وزراء وأبناء وزراء مما أدى بالدعوة لاستقالة الحكومة. ويقول الكاتب إن المسؤولين الأتراك يشعرون بالدهشة والحيرة مما يجري خارج حدود بلادهم، من تغيرات في التحالفات وعدم وضوح المواقف من ناحية العلاقة مع إسرائيل والموقف من الإتحاد الأوروبي وكذا الإستمرار في دعم محمد مرسي. وأهم من هذا الوضع في سوريا فقد أدى استمرار تمسك الأسد بالسلطة لفرض تحديات داخلية على الحكومة التي كانت تتوقع نهاية النظام في وقت سريع. وتنبع التحديات المفروضة على الحكومة من الحدود الطويلة بين البلدين والتي تحولت لمعبر للجهاديين على الرغم من إنكار الحكومة دعمها للجماعات المتشددة. ويشير تقرير أصدرته الأمم المتحدة أن تركيا أرسلت منذ حزيران / يونيو 50 طنا من الأسلحة للفصائل السورية. وتأثر الأمن الداخلي التركي من علاقة أنقرة مع المعارضة السورية فقد انفجرت سيارتين في بلدة ريحانلي جنوب البلاد وقتلت 53 شخصا، ويعتقد أنهما من تدبير المخابرات السورية.

مرحبا

ولهذا السبب يقول الكاتب ان أنقرة تخلت عن سياستها المتحفظة تجاه الجماعات المعارضة وفتحت الباب قائلة ‘خوش غيلدينز/ مرحبا’ لـ ‘صوت الراية’ وهي واحدة من الإذاعات التي فتحها المعارضون السوريون، وهذه فتحها فراس فياض، وهو مخرج أفلام كما يقول الكاتب. ففي بداية الإنتفاضة كان في مطار دمشق الدولي في طريقه لدبي للمشاركة بمهرجان دبي للأفلام بفيلم عن شاعر سوري من فترة السبعينات. وقبل صعوده للطائرة حضر رجال المخابرات ووضعوا على رأسه كيسا ونقلوه في سيارة. وتنقل فيما بعد بين عدد من مراكز الإعتقال حيث تعرض للتعذيب بشكل مستمر.
وعندما أفرج عنه قرر الهرب مع زوجته من دمشق الى عمان ثم فضل السفر لتركيا لأنهما لم يكونا قادرين على صناعة أفلام في عمان ‘لأن الحكومة في الأردن لم تكن تريد إغضاب حكومة الأسد’. وفي تركيا فتح فياض إذاعته التي يرى سنان اولغين، وهو دبلوماسي تركي سابق وباحث في مركز كارنيغي أن ‘استقبال هذه المؤسسات الإعلامية المرتبطة بالجماعات المعارضة في دول الجوار هو تحول في الدبلوماسية التركية المعروفة’. ويضيف أولغين ‘ أن تركيا ربما لا تهتم كثيرا بما تقوله أو تفكر به حكومة الأسد ذلك أن العلاقات بين البلدين غير قائمة’. ويقول التقرير إن تركيا تمثل ملجأ آمنا للسوريين الهاربين من بلادهم التي دمرتها الحرب.
وأنفقت أنقرة 2.5 مليار دولار على اللاجئين السوريين. ويعمل الأساتذة الأتراك ساعات طويلة في الليل لتعليم أبناء اللاجئين السوريين. وبحلول الشتاء البارد خصصت الحكومة 40 ألف وحدة سكنية للاجئين. ويقول الكاتب إن هذا يحدث في الوقت الذي يخشى فيه لبنان من بناء بيوت قد تشجع اللاجئين السوريين على الإقامة كما فعل الفلسطينيون قبل قرن من الزمان.
وبسبب وجود 6500 لاجيء سوري في بلغاريا صعد حزب ‘أتاكا’ الذي يرى في السوريين ‘إرهابيين’ وتهجم نوابه في البرلمان على السوريين بألفاظ مشينة ووصفوفهم بـ ‘ القذرين’. وفي الأردن، أصبحت الأوضاع في مخيم الزعتري سيئة لدرجة قرر فيها الكثير من اللاجئين المخاطرة والعودة لبلادهم بدلا من الإقامة فيه.

محطة حديثة

ومقارنة مع هذه الأوضاع يشعر فياض بالراحة في ملجئه الآمن في اسطنبول حيث يعمل في مكاتب حديثة أرضيتها مفروشة بالخشب، والأثاث الجديد، وشاشات تلفزيونية كبيرة. ويدعم المحطة التي تقع مكاتبها في حي تعمل منه مكاتب محاماة ومصارف وفنادق خمسة نجوم، رجل أعمال سوري مقيم في أمريكا، ويعمل معه 15 مراسل غير متفرغ من داخل سوريا يستخدمون الأسم الأول في تقاريرهم. ويقول فياض أنه قضى تسعة أشهر تقريبا كي يحصل على الإذن من الحكومة التركية لبدء البث في ‘صوت الراية’ التي أنشأها مع زوجته كاتبة السيناريو أليسار حسن. وتبث الإذاعة برامج للأطفال ونشرات أخبار وأغاني عربية، وبرنامجا تاريخيا تقدمه الممثلة السورية عزة البحرة، وبرامج كوميدية عن عائلة من اللاذقية تضطر للرحيل من بلدتها بعد وصول الحرب اليها. وينقل عن محمود حسينو، منتج البرامج في ‘صوت الراية’ قوله ‘نحب التركيز على القصص التي لا يمكن لأحد الوصول إليها، قصص أفراد لا أحداث’. ومن القصص الأخيرة التي عالجتها الإذاعة واحدة عن محاولة فصيل إسلامي الفصل بين التلاميذ والتلميذات في مدرسة ابتدائية بحلب. وقصة اخرى تم بثها عن قناص تابع للنظام يقوم بواجبه كل يوم حيث يأخذ المصعد لسطح البناية في الصباح وينهي عمله في الليل ليعود إلى بيته. ويقول التقرير إن الحكومة السورية أظهرت نوعا من الإحتقار لعمل ‘صوت الراية’ فيما سرقت جماعات إسلامية محولا تابعا للإذاعة في اللاذقية. وتبث الإذاعة برامجها على الإنترنت، ويتوقع أن يتم استبدال المحول المسروق بنهاية العام.
ويتوقع بث الإشارات عبر تركيا والإردن في عام 2014 ويقول ‘كل شيء يسير على ما يرام لأننا نسير على الطريق الصحيح’. ويضيف فياض الذي درس السينما في فرنسا ‘لا نقف مع أي جانب ولكننا نقوم بهذا العمل من أجل سوريا، ليس من أجل النظام ولا المقاتلين الإسلاميين بل من أجل السوريين’.

فوكس الإسلاميين

ويقول ليبسكا إذا كان ‘صوت الراية’ يركز على سوريا، فمحطة ‘أن بي أر’ ‘رابعة’ يمكن اعتبارها فوكس نيوز الإسلاميين، والتي تبث بالعربية وسميت على اسم ميدان رابعة الذي قتل فيه أكثر من ألف معتصم ومعتصمة من الإخوان المسلمين ومؤيدي مرسي في آب / أغسطس. ويقول كاتب التقرير إن ‘متحدثا باسم الإخوان نفى أي ارتباط بين الجماعة وتلفزيون رابعة، وربما جاء النفي لتجنب المسؤولية عما تقدمه القناة من محتويات’. وكان الشيخ يوسف القرضاوي قد أعلن عن افتتاح القناة في كلمة له في 20 كانون الأول / ديسمبر عندما وصف الإطاحة بمرسي بانقلاب اغتصب منصب الرئيس المصري. وتقترح أحاديث قيام الإذاعي المعروف عاصم عبدالماجد والذي ظهر في إعلان قناة رابعة الترويجي برنامجه الخاص، بتقديم برنامج في القناة أنها تريد أن تظل عالية الصوت، وستبث القناة برامجها عبر شركة قمر صناعي فرنسية خاصة. ويقول كاتب التقرير إن حكومة مصر التي صنفت الإخوان كجماعة إرهابية قد تجد ذريعة وتطلب إغلاق القناة. ووصف الدبلوماسي أولغين القناة الجديدة هذه بالقول ‘ستكون قناة الإخوان هذه مصدر مشاكل مع الحكومة في القاهرة’. مع أن العلاقة ليست على ما يرام حيث تواصل الحكومة التركية دعمها لمرسي، الرئيس المنتخب ديمقراطيا وقالت إن الفريق عبدالفتاح السيسي وصل للسلطة عبر انقلاب غير مقبول. وشهدت العلاقات في الشهر الماضي توترا واستدعاء للسفراء. وترى حكومة مصر في نشاطات الإخوان وقناة ناطقة باللغة التركية تعد لها قناة الجزيرة القطرية، معادية لها. ولكن يافوز بيدر، الذي عزل من عمله في جريدة ‘صباح’ التركية كتب في الآونة الأخيرة معلقا على مقالة بصحيفة ‘نيويورك تايمز’ تشجب فيها المؤسسات الإعلامية التركية لفشلها في تغطية تظاهرات متنزه غازي، يرى في توسيع حرية التعبير بادرة جيدة في منطقة ‘عادت فيها حرية التعبير لغرفة الإنعاش’ كما كتبت رنا صباغ في مقال لها. ويقول بيدر ‘الكثير من الأوروبيين ينظرون إليها بهذه الطريقة’، مشيرا إلى أشكال من الصراع تعود إلى زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب خاصة فيما يتعلق بسوريا’ أعتقد أنه ستكون هناك الكثير من هذه النشاطات التي ستدعم من الدوائر الغربية’.

قمع داخلي

ولكن الكاتب يقول إن هذه النشاطات تتناقض مع المشهد الإعلامي المحلي حيث رفضت معظم المؤسسات الإعلامية التعامل مع ما عرف بفضيحة الفساد.
ويشير تقرير إلى أن 80 صحافيا تركيا طردوا من مناصبهم في الأشهر الستة الأخيرة لخلافات مع رؤساء التحرير حول طرق تغطية الأخبار. ويتساءل الكاتب إن كان رؤساء التحرير سيقفون إلى جانب موظفيهم في وقت بدأت فيه المؤسسات الإعلامية للمنفيين بزرع راياتها في تركيا، وهل سيقوم الصحافيون بالإعلان عن مؤسسات مستقلة. ويرى بيدر أن رحيلا للصحافيين الأتراك للخارج لن يحدث، وقد يتم تعاون وتبادل في المعلومات بين المؤسسات الجديدة للمنفيين والصحافة التركية. ويقول الكاتب إن داعمي محطة ‘صوت الراية’ تعهدوا بدعمها لخمس سنوات قادمة. ومهما كان قرار جنيف -2 فلن يكون داعما لصاحب القناة الذي يقول إنه مطلوب للنظام وللإسلاميين.

احتجاج

يذكر أن تركيا حاولت الإحتجاج في الماضي على قناة ‘ار أو جي’ الكردية في الدانمارك وأدى هذا لتوتر في العلاقات، لكن تركيا نجحت في بريطانيا ودول أخرى. وبنفس السياق تجد تركيا نفسها أمام احتجاج من أوزبكستان التي ألغى رئيسها أكثر من رحلة كانت مقررة لأنقرة بسبب استقبالها لمعارضين ووجود ابنة كريموف نفسه سيفاقم من المشكلة فهي وإن لم تحصل على اللجوء السياسي بعد لكن مواطنين من أوزبكستان حصلوا على لجوء أثناء حكم تورغوت أوزال عام 1993 والذي رحب بالكاتب محمد صالح. وألقت الحكومة الأوزبكية اللوم على صالح في تفجير حصل في طشقند حيث طلبت الحكومة الأوزبكية تركيا تسليمه. وتم طرد صالح بدون تسليمه لأوزبكستان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية