رؤية اسرائيلية لتغيير الواقع في القدس

حجم الخط
0

نقول من البداية إنه لا يوجد ويجب ألا توجد صلة بين البناء في البلاد والافراج عن مخربين. فهذه معادلة عوجاء، لكن حينما يكون ‘العالم أعوج’ يصبح عندنا امكانان: محاولة تقويمه، أو مضاءلة الضرر، ومحاولة استخراج الأفضل منه. واختار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الامكان الثاني في هذه المرة، والآن وقد حُسم الامر يجب أن تعود القدس وما حولها لتقوم في مركز العمل الصهيوني.
كدنا ننسى، لكن الصهيونية تُحقق في صهيون أولا وبناء القدس تحقيق ‘حقنا في العودة’ صهيونية. لن يتلقانا وزير الخارجية الامريكي جون كيري ونظراؤه الاوروبيون في الحقيقة بصيحات الابتهاج لكن حان الوقت لنعتاد على ذلك. والى ذلك كان كيري يتحدث منذ أشهر إلينا بلغة هي لغة الامن ولغة الترتيبات الامنية. فيجب على كيري أن يسمع منا أننا لا نسكن القدس واماكن اخرى في ارض اسرائيل من أجل الأمن، بل من أجل صلتنا بها وتراثنا وحقنا فيها. ولما كان الامر كذلك فثمة أهمية كبيرة لأن نبادر بازاء كيري وبازاء نظرائه الى حوار في الحقوق ايضا، فهذا ما اعتاده الفلسطينيون وهذا ما كنا تعودنا عليه ذات مرة ايضا. إن الهدف هو في الحقيقة هدف قائم بحد ذاته لكنه وسيلة ايضا ونحن نميل الى تجاهل ذلك، ولا شيء كالبناء في القدس لنُذكر أنفسنا بأننا موجودون هنا لا بفضل القوة فقط (التي لا نظير لها في أهميتها) بل بفضل الحق لا أقل ولا أكثر.
من المهم أن نبني الآن سواء كان ذلك مع الافراج عن مخربين أو بغيره، لاسباب اخرى: ففي المدينة وما حولها يجري صراع لا يعلمه الجمهور. وسيحسم هذا الصراع مسألة هل يمكن في المستقبل تقسيم القدس كما يرغب اليسار في ذلك أم يكون ذلك غير ممكن. فالحديث عن تنافس بين تواصل مدني في مناطق يتنافس فيها البناء الاسرائيلي والبناء الفلسطيني (وأكثره غير مرخص).
خُذوا مثلا الاستيطان اليهودي نصف المؤسس في الصدّيق شمعون (الشيخ جراح)، فالبلدية بأمر من الحكومة تجمده الآن. فاذا أُبيح فسيستطيع هذا الاستيطان أن يسهم في الاتصال بين محور حيي رموت اشكول معلوت دفنه وبين جبل المشارف حيث يوجد اليوم مستشفى هداسا والجامعة العبرية. واذا لم نُثبت سيطرتنا على الشيخ جراح الصدّيق شمعون، فسيفعل الفلسطينيون ذلك وسيساعدهم ذلك على تحقيق طلبهم الحصول على هذا الحي في اطار التسوية الدائمة. وقد يكون المعنى العملي لذلك قطع جبل المشارف مرة اخرى الذي كان قبل 1967 كما تعلمون جيبا اسرائيليا صغيرا برعاية الامم المتحدة.
والصورة مشابهة ايضا في التلال بين القدس ومعاليه أدوميم (منطقة الخطة E1). منعت الولايات المتحدة اسرائيل الى الآن من البناء هناك، لكن الاختيار حاد بين اتصال بناء اسرائيلي من الغرب الى الشرق وربط معاليه أدوميم بالقدس، وبين اتصال بناء فلسطيني من الشمال الى الجنوب يقطع معاليه أدوميم عن القدس. والاسرائيليون الآن يجمدون البناء في حين يبني البدو بتشجيع من السلطة الفلسطينية وتجاهل من السلطات الاسرائيلية.تبل إن الاتصال الاسرائيلي الهش بين مركز القدس وسلسلة الأحياء التي أقامتها اسرائيل بعد 1967 في شمال القدس غير مضمون، وهنا ايضا توجد اراضي اذا لم نبنِ فيها فسيستولي الفلسطينيون عليها.
وأضيف الى ذلك أزمة السكن الشديدة في العاصمة التي يتركها في كل سنة نحو من 18 ألف يهودي؛ وأسعار الشقق المجنونة في القدس التي تنبع من ذلك (فالطلب عظيم والعرض صفر) والتفوق السكاني الذي يحشده الجانب العربي طول الوقت في الصراع على القدس فالكثرة اليهودية تتضاءل على الدوام لتحصلوا على اسباب اخرى جيدة تُبين لماذا يجب أن تكون القدس هي الاتجاه، حينما نبني آخر الامر.
في الماضي غير البعيد جدا سلم العالم بالبناء الاسرائيلي في القدس، وبرغم أنه سماه ‘استيطانا’ لم يعامله كذلك بالفعل. فهل يمكن أن نعيد العجلة الى الوراء؟ إن الشرط الاول لذلك هو تغيير نظرتنا للقدس. فاذا لم ننظر الى القدس بأنها مدينة واحدة موحدة لا يؤخذ تقسيمها في الحساب بأية حال من الاحوال فلن يغير العالم نظرته اليها. فالقدس اذا ليست مشكلة فقط بل هي ايضا التحدي والحل.

اسرائيل اليوم 29/12/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية