أسرار وأكاذيب

حجم الخط
0

‘هذا عارض تماما’، زعموا في سفارة الولايات المتحدة في اسرائيل. في حزيران 2007 بعد تعيين ايهود باراك وزيرا للدفاع بوقت قصير، لاحظوا في جهاز الحراسة الاسرائيلي أن الامريكيين استأجروا شقة في شارع بنكاس في تل ابيب تطل مباشرة على نافذة باراك في أبراج إكيروف. وأجاب الامريكيون من جهتهم بأنه لا توجد أية صلة بين الأحداث.
‘استأجرنا في الحاصل شقة لمقاتل من المارينز’، قالوا، ‘يعمل حارسا في السفارة’. بيد أنهم استمروا في اسرائيل يتابعون ما يجري ولاحظوا وجود كمية كبيرة من المعدات الالكترونية أُدخلت الى شقة ‘رجل المارينز’ ذاك، والآن، حصلوا على تصديق نهائي لشكوكهم عقب كشف آخر عن وثائق استخبارية في واشنطن.
‘ نجح ادوارد سنودن في احراج السلطات الامريكية مرة اخرى: ففي نهاية الاسبوع كُشف في الصحف ‘الغارديان’ البريطانية و’دير شبيغل’ الالمانية و’نيويورك تايمز’ الامريكية عن أن وثائق جديدة عرضها رجل الاستخبارات الامريكي الفار تُبين كيف اعترضت وكالة الأمن القومي للولايات المتحدة (إن.إس.إي) تراسلا بين رئيس وزراء اسرائيل ووزير الدفاع، وكيف تابعت سلسلة أهداف اسرائيلية في هذا البلد وفي العالم. وتتناول المعلومات عن المتابعة التي نُفذت بمساعدة الوكالة البريطانية التي تشتغل باعتراض الرسائل (جي.سي.اتش.كيو)، السنتين 2008 و2009 حينما كان في ديوان رئيس الوزراء اولمرت (حتى آذار 2009) وبنيامين نتنياهو وكان ايهود باراك يشغل منصب وزير الدفاع.
على إثر بريد رئيس الوزراء. عرض سنودن الذي يتمتع في هذه الايام بلجوء سياسي في روسيا، في الاشهر الاخيرة سلسلة شهادات على اعمال استخبارية نفذتها الولايات المتحدة أشهرها الكشف عن متابعة المكالمات الهاتفية لمستشارة المانيا أنجيلا ميركل.
ويتبين في هذه المرة ايضا من المادة التي نقلها سنودن شهادات فقط على حقيقة اعمال التنصت ولا تكشف عن المضمون الذي تم تسليمه.
‘ وتكشف الوثائق عن أن التعاون بين وكالتي الاستخبارات الامريكية والبريطانية أفضى الى اختراق نظام نقل المكالمات الدولية ـ أي أنه كان يمكن اعتراض مكالمات هاتفية ورسائل نصية أُرسلت من هواتف محمولة ذكية عملت من خارج دولة مصادرها. وفي عرض سري جدا لمنظمة الاستخبارات الامريكية أُعد في سنة 2010، زُعم أن ذلك الاختراق مكّن من اجراء متابعة للأفرقة الدبلوماسية التي شاركت في مؤتمر الدول الصناعية العشرين في 2009 ومنح ذلك الولايات المتحدة ميزة في المحادثات.
‘ بيد أن معظم الانتباه المحلي إنصرف الى جهود التجسس التي وجهها الامريكيون على اسرائيل وفي مقدمتها محاولات اعتراض تراسل بالبريد الالكتروني لجهات رفيعة المستوى في الحكومة. والحديث عن خانات بريد الكتروني تشتمل عليها البنية التحتية لانترنت المكتب الحكومي في اسرائيل ‘تهلاه’ وتحميها وحدة ‘رام’ التي هي فرع على قسم سايبر ‘الشباك’ ويُطلب إليها أن تواجه في كل يوم مئات وآلاف محاولات الاختراق.

‘ يبحثون عن طرف خيط للهجوم على ايران

من بين عناوين البريد الالكتروني التي كشف عنها سنودن بأنها هدف امريكي عنوان لوزارة الدفاع ويستخدمه مكتب الوزير. وفي الفترة المذكورة، أي في السنتين 2008 2009، استخدم مكتب وزير الدفاع باراك هذا العنوان للاتصال بالعالم الخارجي وبمكاتب حكومية اخرى، في حين انضم في مرحلة متأخرة ايضا رئيس مقر العمل يوني كورن. والحديث عن تراسل غير مُشفر بحيث لا تكون المعلومات التي تنتقل سرية، وكان الذي أدار بالفعل حركة الرسائل في هذا العنوان جنديات يخدمن في مكتب وزير الدفاع. وثم عنوان آخر في قائمة سنودن لديوان رئيس الوزراء، وقد كان هذا العنوان يخدم الديوان في السنوات الخمس الاخيرة للاتصال بين الديوان والعالم الخارجي، وهو ايضا غير مُشفر وكذلك معاملته.
أكدوا في ديوان رئيس الوزراء وفي وزارة الدفاع ايضا في نهاية الاسبوع أن هذين العنوانين البريديين الالكترونيين لم يُستخدما لنقل معلومات سرية. ففي هذا في الظاهر ما يجعل المس بأمن الدولة قزما لأن الامريكيين لم ينجحوا كما يبدو في أن يحرزوا بواسطة هذا التعقب معلومات عن أسخن الامور عندهم، أعني الاستراتيجية الاسرائيلية المتعلقة بايران واحتمال أن يصدر عن القدس أمر بالهجوم على المنشآت النووية في الجمهورية الاسلامية. بيد أن هذه ليست الصورة الكاملة.
‘ أولا، يستطيعون في واشنطن أن يجدوا اهتماما في المراسلات التي تمت من عنوان البريد الالكتروني لديوان رئيس الوزراء الى جهات يمينية بشأن المستوطنات. فالادارة الامريكية يخالجها شك في أن المعلومات التي تأتي من القدس عن البناء وراء الخط الاخضر هي غير دقيقة على الأقل، وربما كان قصدهم احراز معطيات حقيقية عن المشروع الاستيطاني.
‘ وثانيا، الحديث عن عناوين بريد الكتروني مكشوفة للجمهور وحتى حينما يمكن الحرص على ألا تُرسل بواسطتها معلومات سرية فلا ضمان ألا يتم تلقي فيها معلومات كهذه على صورة رسالة أُرسلت من جهة خارجية. ‘الحديث عن عنوان شخصي في ظاهر الامر لرئيس الوزراء أو وزير الدفاع. والمشكلة في المادة التي تُرسل اليه’، بيّن شخص أمني رفيع المستوى. ‘يكتب عناصر مختلفون كمتقاعدي جهاز الامن مثلا الى الوزير يُبينون آراءهم وتقديراتهم، وقد يظنون أن الحديث عن مسار معلومات آمن غير مخترق من عيون اجنبية’.

يتنصتون للهاتف الاحمر

‘ رفض باراك أن يرد على النبأ المنشور لكن يمكن أن نجد تعبيرا عن موقفه في الكلام الذي قاله في مؤتمرات تتعلق بأمن السايبر. منذ أن عُين رئيسا لـ ‘أمان’ في 1983، قال، ولكل المناصب الرفيعة التي تولاها منذ ذلك الحين، كان يصدر دائما عن فرض أنه تحت مراقبة. وزعم اولمرت الذي تولى رئاسة الوزراء في أكثر المدة التي تمت فيها التعقبات أن ‘الحديث عن عنوان بريد الكتروني علني واحتمال أن يكون وقع ضرر أمني أو استخباري صفر’.
وعلى كل حال فانهم في اسرائيل يُقدرون أن الكشوف الاخيرة هي أقصى طرف جبل الجليد للقدرات الامريكية. وقالوا في القدس: ‘هذه هي الامثلة التي جاء بها سنودن. لكنه لم يعرض الأجزاء الأكثر اثارة في الحقيقة’. فهم في اسرائيل يعلمون مثلا أن الولايات المتحدة تستعمل في داخل مبنى سفارتها في تل ابيب منشأة تنصت واعتراض للرسائل ويضاف الى ذلك الآن تقدير مُحدّث يقول إن الوكالة الامريكية للامن القومي نجحت في حل لغز ‘الاتصال الاحمر’ المُشفر لجهاز الامن المعروف لكثيرين باسم ‘حجر نفيس’ ووسائل تشفير متقدمة اخرى ايضا.

‘ المعركة على المال النيجيري

يتبين ايضا أن اجهزة الاستخبارات الامريكية تابعت وسائل البريد الالكتروني لسفارة اسرائيل في أبوجا عاصمة نيجيريا، وسبب الاهتمام بهذه السفارة تضعضع الوضع الداخلي في نيجيريا واستعداد حكومة نيجيريا لانفاق مال كثير على صناعة عسكرية اجنبية وعلى هاي تيك ومحاولة شركات كبيرة في الغرب أن تقتطع من الجزء الذي تملكه اليوم نحو من 30 شركة اسرائيلية. ويحاول الامريكيون خصوصا أن يحظوا بسيطرة وتأثير في افريقيا، باعتبار ذلك جزءا من منافسة للقوة الصينية الصاعدة. ويمكن أن نجد تعزيزا لذلك في أنه يوجد عنوان آخر تعقبه الامريكيون كما يقول سنودن الذي تستخدمه وحدة التعاون الدولي (مشاف) التابعة لوزارة الخارجية في السفارة في نيروبي في كينيا.
والى ذلك كُشف الآن عن أن وكالتي الاستخبارات الامريكية والبريطانية اعترضتا رسائل نصية وبريدا الكترونيا بواسطة الارتباط برقم في الاقمار الصناعية الاتصالية وهذا عمل يسمى بالاسمين الشيفريين ‘بروآدأوك’ و’كاربوي’، ويجري في أكثره في قاعدة التنصت السرية بيود المشتركة بين الوكالتين وهي موجودة في بريطانيا على ساحل المحيط الاطلسي على مبعدة نحو من 300 كم جنوب غرب لندن. وهذه القاعدة التي تشتمل على 29 صحن اقمار صناعية ضخمة، أُنشئت في فترة الحرب الباردة وكانت جزءا من جهد جمع المعلومات الاستخبارية في مواجهة الكتلة السوفييتية. ويستخدمها الآن الامريكيون والبريطانيون في عملية تجسس متعددة الأذرع، وهي جزء من تعاون استخباري حميم مع استراليا ونيوزلندة وكندا.
ويشتمل التعقب ايضا على سلسلة طويلة من الأهداف لا تتصل البتة بالارهاب أو نشر سلاح الابادة الجماعية أو نشاط خطير غير قانوني. ومن جملة ما يُعد في هذه القائمة وكالة الامم المتحدة للتطوير (يو.إن.دي.بي)، ووكالة الامم المتحدة لأجل الطفل (يونيسيف) والمركز الافريقي للتعاون الاقتصادي (آي.بي.إي.إس). واهتم الامريكيون والبريطانيون ايضا برؤساء منظمات الصحة الدولية (دبليو.اتش.أو) وبرئيس المنظمة الدولية لصحة الحيوانات.

‘ لماذا التنصت؟ لأنه ممكن

‘ لماذا يجب أن تبذل الولايات المتحدة جهودا لاعتراض رسائل رئيس المنظمة الدولية لصحة الحيوانات؟ والجواب كما يبدو هو القدرة التكنولوجية المتقدمة على القيام بجمع معلومات من كمية ضخمة من المكالمات في الهواتف المحمولة والخطية والبريد الالكتروني وحديث السكايب والرسائل النصية وغير ذلك. كانت القدرة على الوصول الى هذه الثروة الضخمة موضوعة أمام قادة الاستخبارات الامريكية، فجمعوا كل ما يستطيعون. والذي أضر به الكشف عن وثائق سنودن هو مكافحة الارهاب التي حظيت بانجازات ضخمة في السنوات الاخيرة، ومنها القضاء على زعيم القاعدة اسامة بن لادن، بفضل التطورات التكنولوجية في مجال التنصت والتعقب. والآن ساءت جدا ثقة الجمهور بالجماعة الاستخبارية وسيكون عند الوكالة الامريكية للامن القومي قدرات أقل لتواجه في المستقبل التحديات الحقيقية التي هي موجودة لأجلها وذلك بذنب من العاملين فيها.

يديعوت 22/12/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية